نحن والاعلام "بوق الطاغوت"

الانسان منذ بداية الحياة له اذنان وعينان واذنيه قد يفشلا ما يراه وحتى ما فهمه من مصادر الثقة
فادم وزوجه عليهما السلام وربى ارحمهما اكلا من الشجرة المحرمة بسبب الزن على الودان
مامنعكما ان تاكلا من هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين وتكونا من العاليين ومن الخالدين وكلوا منها وعلى اثمها وكل انواع التهجيس الشيطانى
ونحن طبعا كنا هناك ضمنيا "ذر فى صلب آدم" عليه السلام وورثنا الاذن الوسخة زى الاذن الوسطى كدا
ولكنها وجدانية وليست من ضمن تشريح الاذن الفيسلوجى
ومنذ ذلك الحين وجدنا ارهاصات التأثير السلبى على الانسان عبر اذنه الوسخة
فها نحن ذا نسمع قول نوح عليه السلام :يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
فردوا عليه علية القوم وبوقهم الاعلامى المتناسب مع ظرف الزمان والمكان وقتها :
فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا
رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك، وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلى الأرض رسولا من البشر، لأن الأرض يسكنها البشر، ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة لأرسل الله رسولا من الملائكة.. استمرت الحرب بين الكافرين ونوح.
في البداية، تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح لا تلبث أن تنطفئ وحدها، فلما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة بدءوا الهجوم على نوح من هذه الناحية. هاجموه في أتباعه، وقالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل.
هكذا اندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه. ولجأ الذين كفروا إلى المساومة. قالوا لنوح: اسمع يا نوح. إذا أردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة مع هؤلاء.
واستمع نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون، ورغم ذلك كان طيبا في رده. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين، لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنما هم ضيوف الله.. وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء، إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.
كان نوح يناقش كل حجج الكافرين بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه. وهو منطق الفكر الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة.
قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة. ولم يروا هم ما آتاه الله، وهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان برسالته وهم كارهون. إن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض على أحد من البشر. أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته، لا يطلب منهم مالا فيثقل عليهم، إن أجره على الله، هو الذي يعطيه ثوابه. أفهمهم أنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله، وأن له حدوده كنبي. وحدوده لا تعطيه حق طرد المؤمنين لسببين: أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله؟ ثم أنه لو طردهم لخاصموه عند الله، ويجازي من طردهم، فمن الذي ينصر نوحا من الله لو طردهم؟ وهكذا انتهى نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم.
وعاد نوح يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق، وأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله عز وجل، فهو لا يدعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله، وهي إنعامه على من يشاء من عباده، وهو لا يعلم الغيب، لأن الغيب علم اختص الله تعالى وحده به. أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا. بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة.. قال لهم نوح: إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل.. إن هؤلاء المؤمنين الذي تحتقرونهم لن تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم، الله أعلم بما في أنفسهم. هو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به.. أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا.
وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح.. حكى الله موقفهم منه في سورة (هود):
قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) (هود)
أضاف نوح إغواءهم إلى الله تعالى. تسليما بأن الله هو الفاعل في كل حال. غير أنهم استحقوا الضلال بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم.. فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه محتاج في صدورها عنه إلى ربه. بهذه النظرة يستقيم معنى مساءلة الإنسان عن أفعاله. كل ما في الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له، سواء أكان التيسير إلى الخير أم إلى الشر.. وهذا من تمام الحرية وكمالها. يختار الإنسان بحريته فييسر له الله تعالى طريق ما اختاره. اختار كفار قوم نوح طريق الغواية فيسره الله لهم.
وتستمر المعركة، وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينه إذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال، بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله:
قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60) (الأعراف)
ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62) (الأعراف)
ويستمر نوح في دعوة قومه إلى الله. ساعة بعد ساعة. ويوما بعد يوم. وعاما بعد عام. ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه. كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، يضرب لهم الأمثال. ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات، وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق. واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.
وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكافرين. وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل، وظل يدعو قومه ويجادلهم، وظل قومه على الكبرياء والكفر والتبجح. وحزن نوح على قومه. لكنه لم يبلغ درجة اليأس. ظل محتفظا بالأمل طوال 950 سنة
وجاء يوم أوحى الله إليه، أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك:
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) (نوح)
برر نوح دعوته بقوله:
إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (26) (نوح)
ثم أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان
وما انتهى له الامر ان الهالكين المتبعين لعلية القوم زوى البوق الاعلامى كانوا الكثرة من ذاك المجتمع
وتلت ذلك مناقشات باقى الانبياء هود وصالح وابراهيم ولوط ويعقوب وابنائه ويوسف واخوته وموسى وقومه وقبلهم مناقشته مع فرعون وقومه ثم ايوب وذالنون يوسن عليهم جميعا السلام ثم عيسى عليه السلام ثم محمد صلى الله عليه وسلم وسنقف لنستمع للبوق الإعلامى والانصباب والانسكاب فى الأذن الوسخة ماذا كان يقول هناك :
عندما رأت قريش أن أثر دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن محدوداً كما كان الحال مع من دعا إلى نبذ الأصنام قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، أمثال زيد بن عمرو بن نفيل وورقة ، قامت في وجه محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ، وأخذت تمارس شتى أساليب ووسائل الترغيب والترهيب لصدهم عن هذا الطريق الذي هدد مصالحهم التي يجنونها من وجود الحرم في أرضهم ، وحط من تكبرهم على غيرهم ، ووقف أمام شهواتهم في السيطرة واقتراف السيئات والموبقات ، ومن أبرز تلك الأساليب :
الأسلوب الأول :
كان أول أسلوب لجؤوا إليه هو محاولة التأثير على عمه أبي طالب حتى يكفه عن الدعوة ، أو تجريده من جواره – أي حمايته -، فقد ذهبت مجموعة من أشرافهم إلى عمه أبي طالب وقالوا له : إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا...فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه "نقل ذلك ابن هشام (1/328) من رواية ابن إسحاق"
الأسلوب الثاني : التهديد بمنازلة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمه أبي طالب .
ولما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه ، يظهر دين الله ويدعو إليه ، غضبت منه قريش وعادوه وحقدوا عليه ، فمشوا إلى عمه مرة أخرى فقالوا له : يا أبا طالب ! إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وأقسموا بأنهم لن يصبروا على أفعاله حتى يكفه عنهم أو ينازلوه وإياه في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين . عند هذا عظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ، ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه ، ولذا أبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم بالذي قالوه ، وطلب منه أن يبقي عليه وعلى نفسه ، ولا يحمله من الأمر ما لا يطيق ." سيرة ابن إسحاق " (ص/145)
الأسلوب الثالث : الاتهامات الباطلة لصد الناس عنه .
ومن تلك الاتهامات :
1- اتهموه بالجنون : وفي ذلك نزل قول الله تعالى : (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الحجر/6 .
2- اتهموه بالسحر ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) ص/4 .
3- واتهموه بالكذب ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) الفرقان/4 .
4- واتهموه بالإتيان بالأساطير ، قال تعالى : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفرقان/5 .
5- وقالوا إن القرآن ليس من عند الله وإنما هو من عند البشر : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل/103 .
6- واتهموا المؤمنين بالضلالة ... (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ) المطففين/32 .
الأسلوب الرابع : السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على المؤمنين .
يقول الله تعالى عن سخريتهم من الذين آمنوا : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/53.
وروى البخاري أن أبا جهل قال مستهزئاً : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )، فنزلت: ( وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الأنفال/32-33.
الأسلوب الخامس : التشويش .
كان المشركون يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح منكر عندما يقرأ القرآن ، حتى لا يصل إلى سمع أحد وقلبه فيؤثر فيه ، وفي ذلك قال الله عز وجل : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت/26 .
الأسلوب السادس : طلبهم أن تكون للرسول معجزات ومزايا ليست عند البشر العاديين .
من ذلك قولهم : ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا . انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) الفرقان/7-9.
وقولهم : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ) الإسراء/90-93.
الأسلوب السابع : المساومات .
لقد حاولت قريش من خلال هذا الأسلوب أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق ، وذلك بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ، ويترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه ، قال تعالى : ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) القلم/9.
وعندما قالوا له : اعبد آلهتنا يوماً ، ونعبد إلهك يوماً ، أنزل الله تعالى سورة "الكافرون" : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) وحسم هذه المساومة الهزلية .
الأسلوب الثامن : سب القرآن ومنزله ومن جاء به .
روى البخاري ومسلم وغيرهم في قوله تعالى : ( وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ) الإسراء/110، أن ابن عباس قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة ، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجهر بصلاتك ) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن : ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك فلا تسمعهم ، ( وابتغ بين ذلك سبيلاً ).
الأسلوب التاسع : الاتصال باليهود للإتيان منهم بأسئلة تعجيزية للرسول صلى الله عليه وسلم .
أوفدت قريش نفراً منهم إلى المدينة ، على رأسهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ليأتوا من اليهود بأسئلة تعجيزية فيطرحوها على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقالت لهم يهود : سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين والروح ، ولكن الله أبطل كيدهم عندما أنزل قرآنا في شأن الإجابة عن أسئلتهم .
الأسلوب العاشر : الترغيب .
أرادت قريش أن تجرب أسلوب الترغيب ، فأرسلت عتبة بن ربيعة الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب ، وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها : إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد شرفاً سوَّدناك – أي جعلناك سيداً - علينا فلا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد ملكاً ملَّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً – من الجن - تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ .
فلما فرغ من قوله تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة " فصلت " إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) .
الأسلوب الحادي عشر : الترهيب .
كان أبو جهل إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة أنَّبه وأخزاه ، وقال له : تركت دين أبيك وهو خير منك ! لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك ولنضعن شرفك . وإن كان تاجراً قال له : لنكسدن تجارتك ، ولنهلكن مالك . وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به ."سيرة ابن هشام " (1/395) .
الأسلوب الثاني عشر : الاعتداء الجسدي .
عندما لم تثمر كل الأساليب السابقة في صد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دينهم ، لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء الجسدي والتصفية الجسدية .
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ قَالَ : فَقِيلَ : نَعَمْ . فَقَالَ : وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ . قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ . قَالَ : فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ . قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٌ بَلَغَهُ : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى . إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى . أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى . عَبْدًا إِذَا صَلَّى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى . أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى . كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ . نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ . فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ . سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ . كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) .
وروى البخاري بسنده إلى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) .
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال :
بينما النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض : أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ ، فَجَاءَ بِهِ ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ ، قَالَ : فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَرَفَع رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
ونال أبا بكر رضي الله عنه نصيبه من الأذى حتى فكر في الهجرة إلى الحبشة فراراً بدينه .
وكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود ، على الرغم من تحذير المسلمين من عدوان المشركين وخشيتهم عليه ، فعندما فعل ذلك ضربوه على وجهه حتى أثروا فيه .
الأسلوب الثالث عشر : ملاحقة المسلمين خارج مكة والتحريض عليهم .
فعندما هاجر بعض المسلمين إلى النجاشي أرسلوا خلفهم من حاول اللحاق بهم قبل العبور إلى الحبشة ، وعندما استقروا بالحبشة وكثر عددهم أرسلوا في طلبهم ، واستخدموا في ذلك الرشوة والحيلة للوقيعة بين المسلمين والنجاشي ، ولكنهم فشلوا في ذلك .
الأسلوب الرابع عشر : المقاطعة العامة – وذلك في شعب أبي طالب -.
الأسلوب الخامس عشر : محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم شن الحرب عليه.
إن أعداء الإسلام في كل زمان ومكان لم يكفوا ولن يكفوا عن استخدام كافة الوسائل والأساليب لإطفاء نور الإسلام ومحاربة دعاته ، وربما تتجدد الأساليب والوسائل ، ولكنها لا تخرج في مضمونها عن تلك الأساليب التي مارسها كفار قريش ضد المسلمين المستضعفين بمكة
وقد يمكِّن الله تعالى أهل الباطل من أهل الحق برهة من الزمن فيقومون بالتنكيل بأهل الحق ومحاولة إسكات أصواتهم , ولكن سرعان ماينهار بناؤهم أمام تماسك أهل الحق وصدق تمثيلهم لدينهم , كما قال الله (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) (آل عمران : 111 )
ثم لا ينصرون
ثم لا ينصرون
ثم لا ينصرون
فأصبروا وصابروا وكونوا فرسان الحق ولا تأبهوا لابواق الطواغيت فى اى مكان وزمان
وعيشوا جميعا انسان من اجل الانسان فى هدى الرحمن
محبتى


تعليقات