عشرون عام على مآساة اندلس البلقان


مجازر ومذابح جماعية ومعسكرات للاغتصاب الجماعي
الناجون أصابهم الجنون و150 ألف شهيد و200 ألف جريح ومعاق
واحسرتاه على أمة هي خير الأمم، دستورها القرآن ونبيها الرسول العدنان، لكنها تناست شرع ربها وابتعدت عن نبيها، فامتلأت أرضهم ظلما، وارتوت بالدماء بطشا، وسجن الحق فيه أصحابه، بل إن نساءهم لم تسلم، وقبعن خلف أسوار سجان ظالم، فتطاول عليهن الأقزام، وامتدت لهن يد السوء، فآه كمدا وحزنا، وآه وجعا وألما، على من دانت لهم الأمم يوما ما، أما الآن فتتداعى لها الأمم، كما تتداعى الكلاب إلى قصعتها.
وعن مأساة البوسنة والهرسك، إحدى مآسي المسلمين، فتلك الذكرى العشرون لها، ويالها من ذكرى، تنفطر لها القلوب، وتتداعى لها الخطوب، فمسلمو البوسنة والهرسك، قد لاقوا أصنافا شتى من العذاب، طالت الصغار والكبار، والرجال والنساء، بل هُتك العرض ودُنسّ الشرف، وسفكت الدماء وقطعت الأشلاء، فشهيد هنا وشهيد هناك، أشلاء تتطاير ودماء تتساقط، والمسلمون فى بلدانهم يرقبون الأمر، لكنهم ما حركوا ساكنًا، وما منعوا شيئا.
اندلعت الحرب العالمية الأولى بنيران أشعلها الصرب، بعد أن قتل أحد الصربيين ولي العهد النمساوي، إلا أن مسلمى المنطقة قد دفعوا الثمن غاليا، وقتل الكثير منهم، بل تعرضوا للإهانة ومصادرة الأراضي.
وكما ألقى اللوم على المسلمين إبان الحرب العالمية الأولي، فقد تكرر الأمر أيضا في الحرب العالمية الثانية، إذ أصبح المسلمون متهمين من الجميع، ظلما وزورا، فاتهمهم الصرب بموالاة دول المحور؛ وبالتالي فهم يستحقون القتل، كما اتهمهم الكروات بموالاة الصرب؛ ما جعل الشيوعيين في يوغسلافيا يتوعدون الحركات الإسلامية بالإبادة، كما حدث مع حركة "الشباب المسلم" عام 1949م، فألقوا بالمسلمين أحياء في آبار المياه، وألقوا بالأطفال الضعفاء على الصخور، ومن عاش منهم ألقوا بهم أحياء.
ورغم اعتراف الدولة اليوغسلافية بالقومية الإسلامية، في دستور 1974م، إلا أن هذا الاعتراف كان شكليا، ولم يحد من التعصب الأعمى ضد المسلمين.
تفككت الجمهوريات اليوغسلافية، وفي 5 يناير 1992م تم الإعلان عن قيام البوسنة والهرسك، إلا أن الدول اعترفت بسلوفينيا وكرواتيا كدولتين مستقلتين، وأنكرت على البوسنة والهرسك دولتهم، وطالبتهم بالاستفتاء حول الاستقلال، وبالفعل أجرى الاستفتاء، وصوت بنسبة 99.7% لصالح الاستقلال، وأعلن استقلال الجمهورية رسميا في 4 مارس 1922م.
جن جنون الصرب وشت عقلهم؛ كيف يكون للمسلمين دولة مستقلة، يقيمون على أرضها المساجد ويرتلون بها القرآن، فأعلن الصرب حقدا دفينا كانوا يضمرونه، وعن كره أعمى كانوا قد أخفوه، وخرجت ينادون بالثأر، ويصرخون بالموت، وانطلقوا إلى أئمة المساجد ورجال الدعوة؛ حيث يتم شنقهم وتعليقهم على مآذن المساجد، بل حاول الصرب الأرثوذكس تنصير العديد من المسلمين، واختطفوا 50 ألف طفل بوسني من المستشفيات ومراكز اللاجئين، بغية تنصيرهم، فتم شحنهم في حافلات إلى بلجراد، ثم إلى جهة تنصيرية بألمانيا.
ارتكب الجنود الصرب أبشع الجرائم وأقبح الأفعال في حق المسلمين البوسنيين، وكل شيء تم تحت بصر وسمع الكنيسة الأرثوذكسية بل كان جاء الفعل استجابة لأوامرها؛ فقام الجنود بقطع إصبعين وترك ثلاثة أصابع للضحايا كرمز على التثليث، ورسم الصليب على الأجسام بالسكاكين والحديد.
لم يقف الأمر هنا بل تخطي كل شيء، فرجالات الكنيسة، قد لمع الغل في عيونهم، وتربع الحقد في قلوبهم، فأجازت الكنيسة اغتصاب الصرب للمسلمات؛ فاغتصبت الطفلة والعجوز، واغتصبت الابنة والأم، واغتصبت الزوجة والأرملة، فتم اغتصاب آلاف الفتيات، بل أقيمت معسكــرات للاغتصاب الجماعي، وصارت المسلمات سبايا لعبدة الثالوث، واستخدمن للترويح عن الجنود الصرب والأقزام، والمفجع أنه من كثرة الفتيات المسلمات اللائي اغتصبن، لم يتمكن أحد من التوصل إلى إحصائية دقيقة تعبر عن عدد المغتصبات، وفي أقل تقدير تم اغتصاب نحو 60 ألف سيدة وفتاة وطفلة بوسنية، حتى فبراير 1993م، ولم يقتصر أولو القلوب السوداء على اغتصابهن مرة واحدة، بل اغتصابهن عدة مرات.
وسيسأل المسلمون قبل غيرهم، عن أولئك العفيفات اللائي اغتصبن تحت سمع وبصر الجميع، كما حدث مع تلك الأسرة المسلمة التي تتكون من جدة عمرها 60 عامًا، وابنتها الكبرى 42عامًا، اللتين هما أم لبنات خمس يتراوح أعمارهن ما بين 6 أعوام إلى 19 عاما، إذ اقتحم ثلاثة من الجنود الصرب بيت تلك الأسرة، وبوحشية تنكرها الحيوانات نفسها، قام الثلاثة الصرب وأوقفوهن جميعا صفا واحدا، وقاموا باغتصاب الجدة أولا ثم اغتصاب الأم وأخيرا اغتصاب البنات الخمس، فماتت اثنتان من الفتيات، وجنت الأم والجدة، وفقدتا النطق معا.
لم تكن تلك الأسرة هي المأساة الوحيدة، أو الحالة الفريدة، بل إن عبدة الثالوث أقاموا معسكرات جماعية للسيدات، مارسوا فيها أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي معًا، وأخطرها اغتصاب العرض.
وفي ذاك المعسكر الذي أقيم لهتك أعراض المسلمات، تحكي مسلمة عمّا أسرته في نفسها، وبئس الدخول إلى قلوب أسرت مرًا وطفحت بما هو أمر، فتحكي الفتاة عن المنهجية التي اتبعها الصرب، لاغتصاب المسلمات، حتى اغتصاب البنات في سن 7 و 8 سنوات.
تحكي الفتاه، قصة اغتصاب الصرب لها، وضربهم إياها ضربا مبرحا؛ كي تلفظ بقول الكفر، وترتد عن دينها، ولما أصرت الفتاة على دينها، اصطحبوها إلى جثث القتلى، وأجبروها على لحس دمائهم.

وفي المعسكر ذاته، تحكي أخرى، أن 6 عسكريين صرب دخلوا عليها، وانهاروا عليها ضربا موجعا، ثم أخذوها إلى غرفة، واغتصبوها جميعا، واحدا تلو الآخر، ولم يمنعهم أو يوقفهم صراخ الفتاة، ولا يوجد من يغيث؛ حتى أغمى عليها، ولم تدر بالكون حولها.
ذاك سطر من كتاب مأساة البوسنة والهرسك، وآه من آهات أهلها، استغاثت فتياتهم وما من مغيث، بل إن أحد مشايخهم، وجه أكثر من 100 رسالة إلى زعماء العالم عامة والمسلمين منهم خاصة، ولكن ما من مجيب، ولا حياة لمن تنادى، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
ومن الاغتصاب إلى القتل والترويع، يحكي شاب عن قصة اختطاف أبيه، أن الصرب اعتقلوا كل الذكور فوق الـ 11 عاما، ومنهم من عاد مبتور الذراع أو القدم، ومنهم من عاد مقتولا، ومنهم من لم بعد حتى الآن، ومن بين الذين لم يعودوا حتى الآن، والد ذاك الشاب.
يحكي الشاب، أن الصرب قد أخذوا والده من بينهم، ولم يلتفت الصرب إلى بكاء وصراخ أبنائهم الذين يمسكون بأيدى أبيهم، ويقول الشاب، إنني ما زلت أتذكر قول أبي لي ويده تنسحب من يدي، لا تخافوا سأعود، وانتظرنا عودته كثيرا إلا أنه لم يعد، لكننا الآن لا ننتظر عودته بل ننتظر معرفة قبر له، فما أشد وجعا أن كل ما تتمناه أن يكون لوالدك قبرا.
وها هي صورة أخرى من صور القتل والترويع، فتيان ستة أخذهم الصرب إلى إحدى الغابات، وأوثقوا أيديهم خلف ظهورهم، ثم جعلوهم على وجوههم في الأرض، وصوبوا السلاح نحوهم، وبعد دقائق من الصمت، يرقب فيها الفتيان مصيرهم، وينتظرون لحظات موتهم، أوقفهم الصرب واصطحبوهم إلى مكان آخر بنفس الغاب، وأوقفوهم طابورا، وجعل الجنود الصرب الفتى الأولى يتقدم خطوات قليلة، وأمام رفاقه انهال الجنود على الفتى بالرصاص فأردوه قتيلا، وهكذا الثاني والثالث والرابع، وبعد مقتل الفتي الرابع توقف الجنود عن إطلاق الرصاص، وظن الشبان أن الأمر قد انتهى، لكن قلوب الصرب العفنة، جعلت الشبان يحملون الجثث الأربعة إلى حفرة ما، ثم قتلوا الشبان ليسقطوا بجوار جثث رفاقهم التي حملوها بأيديهم.
هذه حالات فردية، أما عن المذابح الجماعية، ففي 11 / 7 / 1995م، صدر قرار "اقتلوا المسلمين"، علي لسان زعيم صربيا "رادوفان كراجيتش" وقائده العسكري "راتكو ملاديتش"، وجاءت الاستجابة سريعة، ويكفيك مذبحة سربرنيتشا، تلك المذبحة التي وقعت بالبوسنة والهرسك في عام 1995م، وراح ضحيتها حسب بعض الإحصائيات 8 آلاف ضحية، ومنهم من قال 20 ألفا، فضلا عن آلاف المهجرين والمشردين، كأكبر مجزرة شهدتها أوربا منذ الحرب العالمية الثانية.
أو كمجزرة سراييفو، تلك المدينة التي ظلت تحت حصار الصرب مدة 44 شهرا متتاليا، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي برمته، بما فيهم المسلمون والعرب، تلك المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 1000 طفل، إلى أن انتهى الحصار في 29 / 11 / 1996م.
وانتهى الصراع في البوسنة والهرسك بعقد اتفاقية دايتون للسلام في باريس في 24 ديسمبر 1995م، بعد حملة إبادة جماعية في حق المسلمين، راح ضحيتها 150 ألف مسلم، و200 الف جريح ومعاق، وما زالت المقابر الجماعية تكتشف، كما في مدينة " موستار "، وعن الناجين والأحياء، فقط أصيب نصفهم بالجنون والأمراض النفسية فضلا عن تدمير 60% من المنازل و33% من المستشفيات و50% من المدارس.

واسهابا فى التدليل
إن تاريخ المسلمين في الغرب تاريخ حافل بالصبر والجهاد، وفي أرض البشناق (البوسنة والهرسك) خير دليل ومثال على ذلك، حيث تكالب الغرب عليها من كل صوب وأذاقوا شعبها الويلات، لكنهم فشلوا رغم كل محاولاتهم وما استطاعوا حجب شمس الإسلام عن هذه البقعة الصامدة.
الموقع الجغرافي:
ظلت البوسنة منفصلة على الهرسك حتى جاء ملك البوسنة "بان كوترومانيتش" (1322م - 1353م) وضم الأخيرة إلى الأولى في دولة واحدة، وتمثل البوسنة جغرافيًا المناطق الوسطى والشرقية والغربية من البلاد، أما "هرسك" فهي اسم منطقة حوض نهر "نيريتفا".
والبوسنة والهرسك هي إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة. تقع في منطقة البلقان بجنوب أوربا، يحدها من الشمال والغرب والجنوب كرواتيا الكاثوليكية، من الشرق صربيا الأرثوذكسية ومونتينجرو "الجبل الأسود"، ولها منفذ من جهة الجنوب الغربي على البحر الأدرياتيكي تحتله كرواتيا.
وعاصمة البوسنة والهرسك هي مدينة سراييفو، التي أسسها الغازي "خسرو بك" واهتم ببنائها وتعميرها، وكان شديد التعلق بها لدرجة أنه عندما واتته المنية أوصى بدفنه داخل ساحة المسجد الذي يحمل اسمه.
عدد المسلمين في البوسنة والهرسك:
كغيرها من دول العالم فإن إحصائيات المسلمين بها دخلها كثيرا من التلاعب والكذب؛ لتقليل نسبة المسلمين بها، وتشير إحدى الإحصائيات الرسمية لشهر يوليو لعام (1994م) أن عدد السكان في البوسنة يبلغ (4651485 نسمة) تقرييًا. كما يشير مشروع إعلان مبادئ الترتيبات الدستورية لدولة البوسنة والهرسك والذي تم وضعه في (18 مارس 1992م) إلى أن نسبة المسلمين في البوسنة والهرسك هي (44%) وفقاً للإحصاءات المعلنة، بينما يشكل الصرب (أرثوذكس) حوالي 32% من السكان، كما يشكل الكروات (كاثوليك) حوالي 17%. وتشتمل البقية وهي 7% على ألبانيين وغجر وأوكرانيين.
دخول الإسلام إلى البوسنة والهرسك:
لم تعرف هذه المنطقة الإسلام إلا بعد قدوم العثمانيبن إليها وفتحها، ففي القديم كانت هذه المنطقة نصرانية المعتقد، وكان البلقان-الإقليم الأم للبوسنة والهرسك- يسكنه قبائل تُدعى قبائل "إليريه"، وبحلول القرن السابع الميلادي أخذت منطقة البلقان تتعرض لغزو جديد من مختلف الجهات، وبعدها تغيرت تركيبتها السكانية والعقائدية، وحينها كون البشناق البوسنة والهرسك.
ولأن البوسنة والهرسك (بلاد البشناق) -القائمة على المذهب البوغوميلي- تقع في منطقة الصراع بين الصرب (في الجنوب) والكروات (في الشمال)، ظلت منطقة نزاع تتعرض لضغط وإيذاء شديد من الصرب الأرثوذكس تارةً ومن الكروات الكاثوليك تارةً أخرى، ودام هذا الأمر لأكثر من مائتين وخمسين سنة.
بعد هذا الصراع الطويل استطاع العثمانيون فتح صربيا، ثم أعقب ذلك فتح أرض البشناق سنة 1493م، وتم الفتح الكامل لها على يد السلطان محمد الفاتح رحمه الله سنة 1464م ، وبعدها دخل كثير من البشناق البوغوميليين في دين الله أفواجا.
البوسنة والهرسك في ظل الاستعمار من جديد:
وبعد أربعة قرون من العيش كولاية عثمانية تطبق فيها الشريعة الإسلامية والفرمانات والتنظيمات السلطانية، انتقلت البوسنة والهرسك لتعيش مرحلة جديدة ومختلفة مع الاستعمار النمساوي المجري النصراني، بعد انهزام العثمانيين أمام جيوش روسيا والدول الأوربية.
وسلمت البوسنة والهرسك طواعية للنمساويين بناء على قرارات مؤتمر برلين سنة 1878م، حيث منح المؤتمر للإمبراطورية الأسترو هنجارية - النمسا والمجر حاليًا- الإدارة المؤقتة للبوسنة والهرسك، لترحل بذلك الدولة العثمانية عن البوسنة والهرسك، وتصبح البوسنة في يد النمسا بحلول عام 1908م.
وكان أول ما حرصت عليه فيينا هو تقليص علاقة البوشناق المسلمين الدينية والسياسية مع اسطنبول إلى الحد الأدنى، واتبعت في ذلك إجراءات عدة أهمها إنشاء منصب رئيس العلماء وتشكيل مجلس العلماء ليصبح (أعلى جهاز لإدارة وتنظيم الشئون الدينية للمسلمين البوسنيين)، وفي عام 1888م تم الانتهاء من بناء المدرسة الشرعية وأطلق عليها مكتب النواب (أصبحت لاحقا كلية الدراسات الإسلامية) بهدف تعليم العلوم الشرعية وتأهيل القضاة الشرعيين، حتى ينعزل المسلمون تماما عن دولة الخلافة.
البوسنة والهرسك أثناء الحربين العالميين:
قبل الحرب العالمية الأولى قام الملك ألكسندر في يناير عام 1929م بتعليق الدستور، وأعلن أن الدولة لن تعرف بعد اليوم باسم مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين، بل إن اسمها سيصبح مملكة يوغسلافيا، وقسمت حينها إلى عدة مقاطعات بحيث أصبح المسلمون أقلية مستضعفة في كل مقاطعة.
في السادس من أبريل (نيسان) 1941م، قامت القوات الألمانية بغزو يوغوسلافيا، وبعد أربعة أيام، أي في 10 من أبريل 1941م، أعلنوا عن قيام دولة كرواتيا المستقلة، ثم جاء الشيوعيون واستولوا على السلطة في يوغوسلافيا عام 1945م.
البوسنة والهرسك وجرائم الشيوعية:
وفي عهد الشيوعيون سجلت كثير من الانتهاكات في حق المسلمين هناك، وتفيد المعلومات أن هناك حوالي 75 ألف مسلم بوسني قضوا في الحرب العالمية الثانية وهي نسبة تعادل 8.1 % من مجموع سكان المسلمين، كذلك قاموا بإغلاق المحاكم الشرعية في عام 1946م، وتم في عام 1950م إغلاق آخر الكتاتيب التي كان التلاميذ يتعلمون فيها معلومات أساسية عن القرآن. فلقد تم حل جميع الجمعيات الإسلامية الثقافية والتربوية، مثل جمعيات "غيرت"، "نارودنا أوزدانيتسا" و"بريبورود" ولم يتم الإبقاء إلا على الجمعية الدينية الإسلامية الرسمية ومدرستين إسلاميتين تخضعان لرقابة مشددة. وتم إغلاق المطبعة الإسلامية في سراييفو وتولت الدولة إدارة الهيئة المشرفة على الأوقاف.
عدوان الصرب على مسلمي البوسنة:
بعد استفتاء 4 مارس 1992م، الذي أعلن فيه "علي عزت بيجوفيتش" استقلال جمهورية البوسنة والهرسك رسمياً عن صربيا شن الصرب معاركا دامية في جمهورية البوسنة والهرسك، ودخل الصرب بالمدرعات والدبابات بلدة "بوسانسكي برود". فبعثت الأمم المتحدة بقوات في (23 مارس 1992م) إلى بلغراد لحفظ السلام، وإيقاف اعتداء الصرب على كلٍ من كرواتيا والبوسنة، وبالفعل توقف الاعتداء على كرواتيا، بينما امتد على المسلمين واتسع حتى عمَّ بحلول (25 مارس 1992م) جميع مدن البوسنة والهرسك، فصار المسلمون يجاهدون وحدهم ضد الجيشين الصربي والكرواتي يدعمهم صرب البوسنة وكروات البوسنة.
وقد كان تركيز الصرب -في المناطق التي احتلوها- على أئمة المساجد ورجال الدعوة؛ حيث يتم شنقهم وتعليقهم على مآذن المساجد!!، كما حاول الصرب الأرثوذكس تنصير العديد من المسلمين، ونجح الرهبان في خطف (50 ألف طفل بوسني) من المستشفيات ومراكز اللاجئين، وتم شحنهم في حافلات إلى بلغراد، ثم إلى جهة تنصيرية ألمانية.
أين أنتم يا مسلمون من جرائم الصرب:
ارتكب الجنود الصرب فظائع كثيرة في حق المسلمين البوسنيين، وكان كل شيء بعلم الكنيسة الأرثوذكسية وأوامرها؛ فقام الجنود بقطع إصبعين وترك ثلاثة أصابع للضحايا كرمز على التثليث، ورسم الصليب على الأجسام بالسكاكين والحديد، كما أصدرت الكنيسة فتوى تبيح اغتصاب الصرب للمسلمات؛ فتم اغتصاب آلاف الفتيات، حتى أنه من كثرتهم لم يتوصل إلى إحصائية دقيقة تعبر عن عدد المغتصبات، وتشير بعض التقديرات إلى اغتصاب حوالي (60 ألف سيدة وفتاة وطفلة) بوسنية حتى (فبراير 1993م)، والمحزن أن كل واحدة من هؤلاء تم اغتصابها عدة مرات.
ومن الأمثلة المثيرة للشجن: اقتحم ثلاثة من الجنود الصرب منزل أسرة مسلمة تتكون من امرأة مسنة (جدة 60 عامًا) وابنتها الكبرى (أم 42 عامًا) وبناتها الخمس (19 , 15 ,12 , 9 , 6 عامًا) وقاموا - تحت التهديد - باغتصاب الجدة أمام ابنتها وأحفادها، ثم قاموا باغتصاب الأم أمام أمها وبناتها، ثم قاموا باغتصاب الفتيات الخمسة الصغيرات أمام الأم والجدة, مما نتج عنه موت اثنين من الفتيات الصغيرات بينما فقدت الجدة والأم النطق والعقل.
وكانت القوات الدولية -الفرنسية والأوكرانية- تبيع طعام المساعدات المجانية للبوسنيات بالنقود، والتي لا تملك النقود، فالاغتصاب مقابل الطعام، واستغاث مسلمو البوسنة بمسلمي العالم، فأرسل "علي عزت بيجوفيتش" - رحمه الله - 100 رسالة إلى زعماء العالم وخاصة المسلمين منهم.
مذبحة سربرنيتشا
مذبحة سربرنيتشا، مجزرة شهدتها البوسنة والهرسك سنة 1995م على أيدي القوات الصربية وراح ضحيتها حوالي 8 آلاف شخص ونزح عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين من المنطقة. تعتبر هذه المجزرة من أفظع المجازر الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
تم تحميل رادوفان كاراديتش الزعيم السياسي لصرب البوسنة والجنرال راتكو ملاديتش الذي قاد المليشيا الصربية بالإضافة للعديد من القادة السياسيين والعسكريين وشبه العسكريين المسؤولية عن تنظيم عمليات قتل المدنيين وتشريدهم. فيما لا يزال معظمهم متواري عن الأنظار وملاحقين من قبل الإنتربول وقوات الأمم المتحدة في البوسنة. كذلك، اتهم أهالي الضحايا القوات الهولندية العاملة في نطاق قوات الأمم المتحدة بعدم الدفاع عن أهالي المدينة وتسليم من التجأ لثكنة هذه القوات لميليشا صرب البوسنة التي قتلتهم جميعاً لاحقاً.
وفي فبراير 2007، أكدت محكمة العدل الدولية ما أصدرته محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة بأن ماجرى في سريبرينيتسا كان إبادة جماعية.
انتهاء الحرب ... لكن المعاناة مستمرة.
انتهت الحرب في البوسنة والهرسك لكن معاناة المسلمين لم تنتهي هناك، فبعد تكوين جبهة جهادية كادت أن تحرر البلاد من قيود الاستعمار السياسي والاقتصادي سارع الغرب تحت راية منظمة حلف الأطلسي بعمل اتفاقية "دايتون" سنة (1995م)، تلك الاتفاقية  المشبوهة التي قضت بإعطاء صرب البوسنة (49 %) من الأراضي التي تتكون من 42 بلدة ومدينة أغلبها في أماكن ومراكز صناعية, أما المسلمون والكروات فقد أصبحوا فيدرالية مسلمة كرواتية لها 51 % من أراضي البوسنة؛ وبالتالي ذهب 49% من الأراضي إلى يد 31 % من السكان وذهب 17% منها إلى الكروات، ولم يتبق للمسلمين سوى 34% فقط من الأرض رغم كونهم يشكلون 52% من السكان.
وبذلك لم تتمكن العائلات الكرواتية من العودة إلى ديارها في شطر المسلمين, كما لم تسجل أي عودة للمسلمين إلى ديارهم في الشقين الكرواتي والصربي؛ خوفًا من ملاقاة مصير أسلافهم، إلى جانب ذلك لم تنجح الاتفاقية في إنهاء الصراعات القومية والدينية، كما أجبر المسلمون علي حذف الكلمات والتعابير الخاصة بالحديث عن العدوان الصربي في المناهج الدراسية.
وأخيرا نقول إن تخاذل المسلمين في شتى أقطار العالم كان من أهم الأسباب التي ساعدت في قتل مئات الآلاف من مسلمي البوسنة، ولو أنهم وجدوا الدعم السياسي والمالي، لما صاروا لهذه الحال، كذلك فقد أثبتت هذه الأزمة أن الكفر ملة واحدة خاصة بعد تورط عدد من المسئولين والدول والهيئات في الحرب ضد البوسنة والهرسك.
فقد اتهم بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة - زمن الحرب - بالانحياز إلى الصرب الأرثوذكس ضد المسلمين, كما تم إدانة الجنرال ماكنزي قائد القوات الدولية في البوسنة بالتعاون الوثيق مع القوات الصربية لقاء رشاوى مالية، ومشاركته في اغتصاب الفتيات المسلمات الأسيرات لدى الصرب!!, واتهم الجنرال فيليب موريو - الذي خلف الجنرال ما كنزي - بالتستر على المذابح الجماعية وعمليات التطهير العرقي، بالإضافة إلى دوره في إعاقة خطط التدخل الإنساني لتوصيل المواد الإغاثية بالقوة إلى المناطق المسلمة المحاصرة
.
واستخدمت المفوضية العليا للاجئين سلاح الطعام وسيلة للضغط على المسلمين أثناء فترات المفاوضات؛ التي شهدت أقل نسبة لتوزيع المساعدات الغذائية, وألزمت المفوضية المسلمين المفرج عنهم من معسكرات الاعتقال الصربي بمغادرة البوسنة إلى أي جهة غربية, كما شاركت القوات الدولية في عمليات تهريب السلع والسيارات, وتورطت في جرائم أخلاقية.
الرئيس البوسني السابق بيجوفيتش:
إن الدولة التي أسسها الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش-رحمه الله- ليست الدولة الإسلامية التي حلم بها الروّاد بمن فيهم الرئيس علي عزت، ولكنها الدولة التي يستطيع الروّاد أن يؤسسوا فيها للقاعدة الصلبة.
المستوى المنظور: نشاهد اليوم في البوسنة قيام مدارس إسلامية متقدمة يدرس فيها جميع العلوم واللغات الحية في مقدمتها اللغة العربية، مع جرعة كبيرة من التربية الإسلامية، وانتشار حركة بناء المساجد في المدن والقرى البوسنية بشكل لم يسبق له مثيل، وكلها ستؤتي أكلها رغم كل المساعي الجبارة التي تبذل من أجل إغراق البوسنة في وحل الرذيلة الغربية، وجعل البوسنة نسخة طبق الأصل من مجتمعات لا خلاق لها.
وعلى المستوى السياسي نرى توسعاً في الحكومة المركزية التي أصبحت تضم 6 وزارات بدلاً من ثلاث وزارات سابقاً، وتكوين جيش موحد بدلاً من "جيش فيدرالي وجيش صربي" قوامه خمسة عشر ألف جندي، 7 آلاف مسلم وخمسة آلاف صربي، وثلاثة آلاف كرواتي، يبسط نفوذه على الحدود البوسنية، وخاصة المتاخمة لكرواتيا وصربيا.
وعلى المستوى الاقتصادي أرسى علي عزت أسس اقتصاد بديل وحر لإدارة الأزمات في ساعة العسرة، ووضع يده على أهم المؤسسات لضمان استمرارية مشروعه الحضاري بطرق شرعية لا يستطيع أحد الطعن فيها قانونياً؛ لأن الأموال وصلت بطرق شرعية عن طريق التبرع الشخصي، وليست أموالاً دولية أو أموال دافعي الضرائب، وليست أموال العائدات من المواد الخام أو غيرها
.
ولم يترك علي عزت الحكم إلا بعد أن اطمأن على الحدود الجنوبية، فكرواتيا الفاشية قد ماتت مع "توجمان"، أما صربيا فهي كما توقع لها علي عزت أصبحت مسرحاً للفوضى والانحطاط السياسي والاقتصادي، فالجبل الأسود سيكون الشعرة التي ستقسم ظهر الصرب بعد أثقال كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك وكوسوفا.

وللاسلام قصة اخيرة سينتصر فيها مسلمون متكاتفون متأخون فى السراء والضراء وحين البأس
لا يولون عليهم الا بشواراهم اولاهم بالقيادة 
مسلمون ينتهجون نهج النبى بحق لا يتبعون اذناب البقر ولا فتاويهم 
اللهم اسالك نصرك العزيز وفتحك المبين 
آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن

تعليقات