بشارات الرحمن بخير الانام

نصوص الكتب المتقدمة في البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وصفته 
ونعت أمته وإيضاح دلالتها ومطابقتها للشريعة والواقع 

فهذه الوجوه على تقدير عدم العلم بوجود نعته وصفته والخبر عنه في الكتب المتقدمة ، ونحن نذكر بعض ما ورد فيها من البشارة به ، ونعته وصفته وصفة أمته ، وذلك يظهر من وجوه :
" الوجه الأول "
قوله تعالى في التوراة : ( سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي في فيه ، ويقول لهم ما آمره به ، والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه ) .
فهذا النص مما لا يمكن أحدا منهم جحده وإنكاره ، ولكن لأهل الكتاب فيه أربعة طرق :
أحدها : حمله على المسيح ، وهذه طريق النصارى .
وأما اليهود فلهم فيه ثلاثة طرق :
أحدها : أنه على حذف أداة الاستفهام ، والتقدير ( أأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم ؟ ) أي لا أفعل هذا .
فهو استفهام إنكار حذفت منه أداة الاستفهام .
[ص-108] الثاني : أنه خبر ووعد ولكن المراد به شمويل النبي فإنه من بني إسرائيل .
والبشارة إنما وقعت بنبي من إخوتهم ، وإخوة القوم هم بنو أبيهم ، وهم بنو إسرائيل .
الثالث : أنه نبي يبعثه الله في آخر الزمان يقيم به ملك اليهود ويعلو به شأنهم وهم ينتظرونه الآن .
وقال المسلمون : البشارة صريحة في النبي صلى الله عليه وسلم العربي الأمي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، لا يحتمل غيره ، فإنها إنما وقعت بنبي من إخوة بني إسرائيل لا من بني إسرائيل أنفسهم ، والمسيح من بني إسرائيل ، فلو كان المراد بها هو المسيح لقال : أقيم لهم نبيا من أنفسهم .
كما قال تعالى :  لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ  ، وإخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل ، ولا يعقل في لغة أمة من الأمم أن بني إسرائيل هم إخوة بني إسرائيل ، كما أن إخوة زيد لا يدخل فيهم زيد نفسه .
وأيضا فإنه قال : نبيا مثلك ، وهذا يدل على أنه صاحب شريعة عامة مثل موسى ، وهذا يبطل حمله على شمويل من هذا الوجه أيضا ، ويبطل حمله على يوشع من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه من بني إسرائيل لا من إخوتهم .
الثاني أنه لم يكن مثل موسى ، وفي التوراة : لا يقوم في بني إسرائيل مثل موسى .
الثالث : أن يوشع نبي في زمن موسى ، وهذا الوعد إنما هو بنبي يقيمه الله بعد موسى .
[ص-109] وبهذه الوجوه الثلاثة يبطل حمله على هارون ، مع أن هارون توفي قبل موسى ، ونبأه الله مع موسى في حياته ، ويبطل ذلك من وجه رابع أيضا وهو : أن في هذه البشارة أنه ينزل عليه كتابا يظهر للناس من فيه ، وهذا لم يكن لأحد بعد موسى غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من علامات نبوته التي أخبرت بها الأنبياء المتقدمون ، قال تعالى :  وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ  نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ  بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ  وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ  أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ  .
فالقرآن نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظهر للأمة من فيه ، ولا يصح حمل هذه البشارة على المسيح باتفاق النصارى ، لأنها إنما جاءت بواحد من إخوة بني إسرائيل ، وبنو إسرائيل وإخوتهم كلهم عبيد ليس فيهم إله ، والمسيح عندهم إله معبود ، وهو أجل عندهم من أن يكون من إخوة العبيد ، والبشارة وقعت بعبد مخلوق يقيمه الله من جملة عبيده وإخوتهم ، وغايته أن يكون نبيا لا غاية له فوقها ، وهذا ليس هو المسيح عند النصارى .
وأما قول المحرفين لكلام الله أن ذلك على حذف ألف الاستفهام ، وهو استفهام إنكار ، والمعنى ( لا أقيم لبني إسرائيل نبيا ؟ ) فتلك عادة لهم معروفة في تحريف كلام الله عن مواضعه ، والكذب على الله ، وقولهم لما يبدلونه ويحرفونه : هذا من عند الله .
وحمل هذا الكلام على الاستفهام والإنكار غاية ما يكون من التحريف والتبديل .
وهذا التحريف والتبديل من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها عن الله من تحريفهم وتبديلهم ، فأظهر الله صدقه في ذلك لكل ذي لب وعقل ، فازداد إيمانا إلى إيمانه ، وازداد الكافرون رجسا إلى رجسهم .
اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ونبيك ورسولك محمدا خير الخلق كلهم
واحشرنا فى زمرته يوم لا ظل الا ظلك الرحيم ولا نور الا نور وجهك الكريم ولا صوت يعلوا الا من اذنت له وقال صوابا 

محبتى

تعليقات