محمد احمد "المهدى" المجدد الحادى عشر ودولته وخليفته

عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :               
(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)
حديث صحيح
رواه أبو داود (رقم/4291) وصححه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (149)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/599)
قراءة اكثر واقعية للدولة المهدية

 
رغم أن إعلان محمد أحمد “ المهدية ” قد يباعد بينه وبين ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، إلا أن المتتبع لسيرته سواء منذ بداية دعوته وبعد إعلان المهدية ومن خلال تراثه الفكري بعد المهدية المتمثل في منشوراته ومجالسه وخطبه بالإضافة إلى حكومته الإسلامية التي أقامها في السودان ، وسياسته الخارجية التي حملت التوجيه الإسلامي الخالص ، يلاحظ مدى عمق العلاقة بين المهدية في السودان ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ولعمرى فالمهدية نفسها واعلانها اجتهاد من الرجل قد يكون قد اخطأ فيه او اصاب ولكنه مضى به الى اقامة دولة ذات هوية وسيادة اسلامية بحتة وعلى اقرب مايكون للمنهج الاسلامى القويم الحنيف فى زمن تهتكت فيه الخلافة فى استنبول والباب العالى وتفتت فيه الاراض الاسلامية تحت نير الاستعمار الذى مضى ياكل بلدان وجغرافيا الامة من اطرافها وان تلك الدولة التى اقامها استمرت بكل زخم الكيد والعدوان الخارجى من اقوى الاستعماريات القائمة فى ذلكم العصر من 15 الى 14 عشر عاما من الحرية والاستقلال والهوية الاسلامية .


ولعله قد تأسى محمد أحمد “ المهدي ” بالشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته فقد ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ والكتب والرسائل والوفود ، للعودة إلى منابع الدين الأولى وترك البدع ومظاهر الشرك ، وإحياء سنن الشريعة ، والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة ، ومحاربة الفساد .. وهذا يتفق مع ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية منذ بدايتها أيضاً وحملات رسائله بالدعوة إلى بعض بلدان وإمارات نجد .

ثم نلاحظ أسلوبه الجهادي وعقيدته السلفية ومنهجه السلفي في الإصلاح في معظم مناشيره التي تغطي الفترة منذ إعلانه المهدية في “ أبا ” حتى فتح “ الخرطوم ” ونهاية الحكم القائم وعموم دعوته ، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبليغ الدعوة وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإقامة مجتمع إسلامي في حكمه ، وظهرت عقيدته السلفية بوضوح في تلك المناشير وأيضاً منهجه السلفي للإصلاح ونلاحظ الاتفاق في المضمون فيما دعا إليه الاثنين من العودة بالإسلام إلى عصوره الزاهرة وترك البدع والمنكرات وإن اختلفا في الأسلوب لأن كل واحد منهما كان يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وكان هم كل منهما منصرفاً إلى المعاني لا إلى العبارات 

وحتى ان نظرنا الى الانصار وسمتهم العام الخارجى المنقول عن الامام محمد احمد فى ملبسه على الاقل لوجدنا العمة ذات الذوءابة و الجلباب القصير فى دلالة على الاحياء للسلفية جوهرا ومظهرا فى منشط الامام خلال دعوته التى قامت وانتصرت

 
ويظهر هذا العامل من خلال وقوع العالم العربى والإسلامى تحت الإحتلال الأوربى مما أدى لظهور مصلحين دينيين فى كل الدول الإسلامية دعوا لثورة دينية لطرد الإستعمار ، والسودان كان واحدة من هذه الدول فظهر فيه محمد احمد المهدى الذى قاد ثورة دينية لطرد الأتراك وإقامة دولة إسلامية شبيهه بدولة الرسول صل الله عليه وسلم وتنقية الإسلام من الشوائب والبدع . وبذلك كانت شخصية المهدى الدينية هي المحرك الأساسى للثورة المهدية .


فداحة الضرائب : فرض الحكم التركى المصرى على السودانيين ضرائب كانت سبباً فى ثورتهم عليه وذلك بسبب عدم تعودهم على هذه الضرائب ، فقد تعودوا على دفعها طواعية للسلطنات الإسلامية ، بالإضافة لكثرة هذه الضرائب واستخدام القوة فى جمعها منهم ، كما أنها طلبت منهم نقداً فى وقت لم تتوفر عندهم العملة النقدية.


سياسة فرق تسد: وقد استخدم المستعمر هذه السياسة مع السودانيين لكي يتمكن من حكمهم بسهولة وذلك من خلال تقريب بعض القبائل والطوائف الدينية واستبعاد القبائل والطوائف الدينية الأخرى ، مما أدى لسخط القبائل والطوائف المبعدة على النظام وتحين الفرصة للقضاء عليه.


سياسة العنف: إرتبط الحكم التركى المصرى فى أذهان السودانيين بالعنف ، وقد ظهر ذلك منذ عهد اسماعيل باشا فى تعامله مع المك نمر والجعليين ، ثم حملات الدفتردار الإنتقامية مروراً بعهد أول حاكم على السودان (عثمان بك جركس) ، ولذلك سعى السودانيين للخلاص من الحكم التركى

ويمكن أجمال أسباب نجاح الثورة المهدية فى الآتي:
- ضعف الجهاز الإدارى فى السودان وتقلبه بين المركزية واللامركزية ، بالإضافة لتولى الحكمداريين لفترات قصيرة مما أضعف المديريات فتم تحريرها بسهولة من قبل المهدى.
- ضعف الحاميات العسكرية فى السودان وذلك لقلة الجنود ، و إهمال التدريبات العسكرية ، وبدائية الأسلحة ،
وتوزيع الحاميات فى مناطق متباعدة مما ساعد على سهولة القضاء عليها.
- التطورات السياسية فى مصر بظهور الحركة العرابية سنة 1882م مما أدى لإنشغال الخديوى توفيق بها وبعد فراغه منها وجد أن الثورة المهدية قد استفحلت ومن الصعب القضاء عليها.
- إقالة الخديوى اسماعيل فى مصر ، واستقالة الحكمدار غردون فى السودان ، فالخديوى اسماعيل أعقبه إبنه توفيق والذى كان لعبة فى يد بريطانيا ، أما غردون فقد أعقبه محمد رؤوف الذى كان ضعيف الشخصية.
- فهم بريطانيا الخاطئ لطبيعة الثورة المهدية ، بالإضافة لانشغالها بحربها مع روسيا فى بلاد الأفغان.

اولى الخطوات:
معركة أبا - أغسطس /1881م
لم يهتم الحكمدارمحمد رؤوف لخطابات المهدى الداعية للهجرة الى قدير وذلك للآتى:
1/ لم يحدث من قبل أن ثار رجل دين على الحكومة ونجح فى الإنتصار عليها وحتى لو حدث تكون حالة جذب روحى لا أكثر.
2/ أرجع محمد رؤوف أمر الخطاب للخلاف بين المهدى وشيخه محمد شريف نور الدائم.
وعلى الرغم من ذلك قام محمد رؤوف بتكوين وفد برئاسة نائبه ومساعده
(محمد أبو السعود) وذلك لأن علاقة أبو السعود كانت طيبة بإخوة المهدى أثناء مسئوليته عن شركة العقاد ، وقد ضم الوفد عدد من أقارب المهدى وزعماء الخرطوم.
وصل الوفد الى الجزيرة أبا وتأكد لهم أن المهدى سوف يقود ثورة ضد الحكم التركى المصرى ، وعند مقابلته للمهدى ، حاول أبو السعود إقناعه بالتراجع عن ثورته وذلك بقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم)
فرد عليه المهدى بقوله:
( أنا ولى الأمر فى هذا الأوان ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
فما كان من أبو السعود إلا أن عاد مسرعاً ليخبر حكمداره بخطورة الأمر ، وعلى الفور أعد محمد رؤوف حملة للقضاء على المهدى بقيادة أبو السعود نفسه ومكونة من بلوكين من خيرة العساكر وبأحدث الأسلحة مع كل بلوك مدفع ، وذلك بغرض إحضار المهدى الى الخرطوم بالقوة ، وقد وثق ابو السعود من القضاء على المهدى لدرجة أنه أرسل الى القاهره يخبر مسئوليها بحتمية القضاء على المهدى .
أما المهدى فقد تأكد ان محمد رؤوف لن يسكت على فعلته وعلى الفور شرع فى تجميع أنصاره الذين بلغ عددهم ثلاثمائة رجل وبدأ فى تدريبهم قائلاً لهم ( من أراد الجهاد معنا فليبايعنا بيعة الحرب ، ومن كان بيته عورة فليذهب الى أهله وبيعتى معه بيعة عقيدة).
وبذلك استعد المهدى وأنصاره لمواجهة حملة أبو السعود التى وصلت الى الجزيرة أبا وعبر الوابور فى فجر 14/ أغسطس /1881م فسار جنود أبو السعود لداخل المنطقة بصورة غير منتظمة وفى تهاون واضح ، فما كان من جنود المهدى الا أن باغتوهم من خلف الأشجار وقتلوا منهم الكثير ولحق البقية الباقية بالوابور التى عادت مسرعة الى الخرطوم .
وبذلك حقق المهدى أول إنتصار على الحكومة ترتب عليه كسبه المادى من خلال الأسلحة والذخائر وكسبه المعنوى بزيادة أنصاره .

 حملة راشد بك أيمن
كانت الجزيرة ابا تتبع لمديرية فشودة التى كان مديرها راشد بك أيمن ، وقد طلب راشد بك أيمن من الحكمدار محمد رؤوف أن يأذن له بإعداد حملة للقضاء على المهدى فى قدير الا ان الحكمدار لم يأذن له.
بالرغم من ذلك أعد راشد بك حملة تكونت من (350) جندى نظامى و(1000) من الشلك بقيادة مكهم كيكون وكانت خطتهم كتمان خبر الحملة واللحاق بالمهدى فى قدير والقضاء عليه .
الا ان إمرأة تدعى رابحة الكنانية علمت بأمر الحملة وأخبرت بها المهدى.
حشد المهدى رجاله الذين بلغ عددهم (8000) مقاتل وخرج بهم الى غابة بالقرب من قدير بانتظار قدوم الحملة.
وصلت حملة راشد بك منهكة من السير السريع المتواصل وفى 9/ ديسمبر 1881م دارت المعركة بين الطرفين.
ترتب على المعركة هزيمة راشد بك وقتله وقتل كيكون وأسر (111) منهم وفرار البقية الى فشودة وكسب المهدى مادياً ومعنوياً.
كما ترتب على هزيمة راشد بك ان المسئولون فى مصر رأوا أن انتصارات المهدى تعزى لضعف الحكمدار محمد رؤوف ولذلك تم عزله وتعيين الحكمدار عبد القادر باشا حلمى بدلاً عنه .
مقال رقم (5)
أكتب مقالاً عن: حملة الشلالى باشا
بعد مغادرة الحكمدار محمد رؤوف كان الحكمدار بالإنابة هو جقلر باشا الذى طلب الإذن من القاهرة بإعداد حملة للقضاء على المهدى فى قدير فأذن له بذلك ، وعلى الفور أعد حملة تكونت من (300) جندى نظامى و (1500) من الجنود غير النظاميين وعين يوسف باشا حسن الشلالى قائداً لهذه الحملة.
تحرك الشلالى من الكوة فى منتصف مايو/ 1882م ، واتجه الى فشودة ومنها غرباً باتجاه منطقة (فنقر) التى أرسل منها خطاب للمهدى يعترض فيه على اسلوبه فى الحرب قاصداً حربه نفسياً الا أن المهدى رد عليه بخطاب طويل جاء فى آخره:
(فليس لكم عندنا الا الرماح الطعان والسيوف السنان).
أخيراً اشتبك الطرفان فى معركة انتصرت فيها قوات المهدى ولم ينج من جيش الشلالى الا القليل وكعادته بعد كل انتصار كسب المهدى مادياً ومعنوياً.

  تحرير المهدى للأبيض
هناك دوافع دفعت المهدى لفتح الأبيض وهى:
1/ إمتلأت قدير بالوفود وأصاب الناس الجوع وامتنع عبد القادر باشا حلمى عن ارسال حملة للمهدى فى قدير.
2/ قيام الثورات فى مناطق متفرقة من كردفان ولم يبق للحكومة الا حاميات بارا والدلنج والأبيض.
بناءاً على ذلك قرر المهدى تحرير الأبيض وتحرك من قدير بسرية تامة فى جيش بلغ قوامه خمسين الف مقاتل قاصداً منطقة (كابا) التى تقع جنوب غرب الأبيض بستة أميال ورسم خطته العسكرية هناك.
أما فى الأبيض فقد استعد مديرها محمد سعيد بحفر خندق حولها فى شكل مربع محمى بخمسة أبراج كان البرج الخامس منها فى منتصف الضلع الشرقى بغرض حماية مبنى المديرية.
وفقاً للخطة المرسومة فى كابا تحرك المهدى وبات حول الخندق ، وفى يوم الجمعة
8/ سبتمبر/1882م هاجم الانصار مدينة الابيض فواجهتهم قوات محمد سعيد بالمدافع فخسر الأنصار عشرة الف مقاتل وعند صلاة الجمعة امر المهدى بوقف القتال وانسحب الى
(منهل الجنزارة ) .
فى منهل الجنزارة قرر المهدى لأول مرة إستخدام السلاح النارى وذلك بتكوين فرقة الجهادية بقيادة حمدان أبوعنجة ، كما جاء بأسلوب جديد وهو(الحصار) وذلك بحصار كل من:
بارا والدلنج والابيض .
بعد فرض الحصار كانت أولى الحاميات إستسلاماً هى حامية الدلنج وذلك بتاريخ
14/ سبتمبر/ 1882م .
- أما حامية بارا فقد صمدت طويلاً فى إنتظار حملة الإنقاذ القادمة من الخرطوم والتى تم القضاء عليها من قبل أنصار المهدى ، فما كان من قادة الحامية الا أن كتبوا للمهدى يطلبون منه إرسال من يسلمونه الحامية فأرسل لهم عبد الرحمن النجومى وبذلك إستسلمت الحامية بتاريخ 5/ يناير/1883م
- أما حامية الأبيض فقد ساء حالها من شدة الحصار فكتب مديرها محمد سعيد خطاباً للحكمدار عبد القادر باشا حلمى يخبره فيه بأن الناس جاعوا حتى أكلوا الفئران والجلود اليابسة وضايقوا النمل فى بيوته ، ولكن عبد القادر باشا كان أضعف من أن ينقذ الموقف فأرسل عبد القادر باشا الى القاهرة يطلب من الخديوى ان يعفيه عن منصبه فكان له ذلك
وأخيراً إستسلمت الحامية بتاريخ 19/ يناير/ 1883م.
وقد ترتب على تحرير الأبيض الآتى:
1/ أصبحت كردفان كلها فى يد المهدى.
2/ عزل كل من دارفور وبحر الغزال وخط الإستواء عن العاصمة الخرطوم.
3/ أصبح لزاماً على بريطانيا التعاون مع مصر للقضاء على الثورة المهدية. 

 حملة هكس باشا
إستعدادات مصر وبريطانيا للقضاء على المهدى:
بعد تحرير المهدى للأبيض قررت بريطانيا التدخل فى شئون السودان ، وللتحقق من أوضاع المهدى قامت بريطانيا بإرسال الكولونيل ستيوارت الذى طاف على السودان ورفع توصياته للحكومة البريطانية. أما عن مصر فقد قامت بتعيين علاء الدين باشا بدلاً عن عبد القادر باشا حلمى ، كما عينت سليمان نيازى باشا قائداً عاماً للجيش والضابط البريطانى هكس قائداً لأركان حرب الحملة والعمل بأوامر نيازى ، ولكن رفض هكس ذلك فما كان من الخديوى توفيق الا أن نقل سليمان نيازى الى البحر الأحمر وعين هكس باشا قائداً للحملة بالرغم من خوف الخديوى من هكس لأنه مسيحى وسيواجه جيش مسلم.
تكوين الحملة :
تكونت الحملة من كبار الضباط المصريين والبريطانيين وإثني عشر ألف جندى معظمهم من بقايا جيش عرابى مصحوبة بعدد كبير من الدواب والمؤن والأسلحة والذخائر مع أجهزة الإعلام ومستشفى ميدانى.
وصول الحملة الى الدويم والخلاف بين هكس وعلاء الدين باشا:
كان مكان التجمع للحمله هو مدينة الدويم التى بدأت تتجمع فيها القوات منذ شهر يوليو/1883م ، وفى 27/ سبتمبر/1883م غادرت الحملة الدويم باتجاه الغرب للحاق بالمهدى فى الأبيض ، وهنا حدث خلاف بين هكس وعلاء الدين باشا حول طريق اللحاق بالمهدى:
- رأي هكس: أن تتحرك الحملة عن طريق بارا الشمالى الذى يبلغ طوله (135) ميل الذى يعتبر قصير نسبياً ويمر بقبائل الكبابيش الذين لم يعلنوا تأييدهم للمهدى .
- رأي علاء الدين: أن تسلك الحملة طريق شات الجنوبى الذى يبلغ طوله (250) ميل ويمر بقبائل الغديات والجوامعة التى أعلنت تأييدها للمهدى
أخيراً سلكت الحملة طريق علاء الدين باشا.
بعد ذلك حدث خلاف آخر عندما رأى هكس باشا ترك عدد من الحاميات تتكون كل واحدة من (200) جندى بهدف حفظ خط الإتصال والرجوع الى الخرطوم ، ولكن علاء الدين باشا رفض هذا الرأي بحجة أن هذه الحاميات سيتم القضاء عليها من قبل الأهالى ، وللمرة الثانية أخذ برأي علاء الدين وسارت كل الحملة الى الأبيض.
إستعدادات المهدى للقضاء على حملة هكس باشا:
كانت عيون المهدى تنقل الأخبار عن حملة هكس باشا أولاً بأول ، فما كان من المهدى إلا أن عقد معسكره فى شجرة تبلدى خارج مدينة الأبيض و بدأ فى تدريب جنوده ، كما قام بتكوين حمله عرفت بـ (حملة المناوشة) تكونت من (300) مقاتل يحملون الأسلحة النارية بقيادة محمد عثمان أبوقرجة و كانت مهمتها إزعاج الحملة دون الإشتباك معها بالإضافة لتكليفهم بنقل الأخبار عن الحملة. كما قام المهدى بتوجيه أوامره للقبائل التى تقع فى طريق الحملة بإخلاء قراهم ودفن الآبار لمزيد من الإرهاق للحملة.
الصعوبات التى واجهتها حملة هكس باشا:
- أجبرت حملة المناوشة قوات هكس للسير فى شكل مربع لحماية الدواب التى مات أكثرها بسبب الجوع والعطش. - تمكنت حملة المناوشة من إرهاق قوات هكس جسدياً ومعنوياً حتى إستسلم بعضهم لقوات المهدى .
- قام المهدى بتوزيع منشورات على الأشجار فى طريق الحملة يهدد فيها قوات هكس قبل وصولهم الى الرهد.
المعركة الفاصلة:
بعد خروج قوات هكس من الرهد مباشرة التقت بهم قوات المهدى فى غابة شيكان بتاريخ 5/ نوفمبر/1883م فى معركة تم فيها قتل هكس وعلاء الدين باشا ومجموعة كبيرة من القوات التى لم ينج منها الا القليل.

 ضم دارفور وبحر الغزال للمهدية
أولاً: ضم دارفور:
إنضم أهل دارفور للثورة المهدية منذ إعلانها وذلك من خلال قدوم زعماء دارفور للمهدى فى قدير ومبايعته ، وكان مدير دارفور بعد معركة شيكان هو سلاطين باشا النمساوى الذى تمرد عليه جنوده بسبب الهزيمة فى معركة شيكان ، وهنا أرسل المهدى القائد محمد خالد زقل الذى إستسلم له سلاطين بكل سهولة وبذلك تمكن من ضم دارفور للمهدية فى يناير / 1884م.
ثانياً: ضم بحر الغزال:
تم ضم بحر الغزال للحكم التركي المصرى بواسطة الزبير باشا رحمة ، وبعد سفره الى مصر عام 1875م ، عمت الفوضى فى المنطقة التى أصبح مسئولاً عنها إبنه سليمان الذى لحق هو الآخر بأبيه فتم تعيين الإيطالى (جسى) مديراً عليها ، فقدم إستقالته من المنطقة فتم تعيين الإنجليزى (لبتن بك) الصغير المغامر مديراً على بحر الغزال فى العام 1880م .
اثناء وجود المهدى فى قدير قدم اليه وفد من زعماء القبائل الجنوبيه وبايعوه ، فأمرهم بطرد لبتن بك وحكم منطقتهم بأنفسهم ، فقاموا بثورات ضد لبتن بك فى عام 1882م ، ولكنهم فشلوا فى القضاء عليه.
بعدها قدم وفد من دناقلة بحر الغزال للمهدى وشاركوا معه فى معركة شيكان ، وبعدها أرسلهم المهدى بقيادة ( كرم الله الكركساوى) الذى تمكن من حصار لبتن بك واجباره على تسليم المنطقة لهم فى أبريل/1884م.

 حصار وتحرير الخرطوم 1885م
حصار المهدى للخرطوم :
بعد معركة شيكان فكر المهدى مباشرةً فى تحرير الخرطوم وبدأ ذلك بحصارها فى وقت مبكر إبتداءاً من يناير 1884م .
بدأ المهدى فى الحصار من الجهة الشمالية فأرسل الى شيخه فى بربر محمد الخير عبدالله الذى قام على الفور بضم بربر للدولة المهدية ، كما قطع خط التلغراف بين القاهرة والخرطوم.
أما من الجهة الشرقية فقد أرسل الى شيخ أم ضواً بان العبيد ود بدر ومعه الشيخ مضوى
عبد الرحمن شيخ العيلفون.
أما الجهة الجنوبية فقد حاصرها الشيخ الأمين ود ام حقين شيخ الجزيرة اسلانج ومعه الشيخ
عبد القادر قاضى الكلاكلة.
ومن الجهة الغربية جاء المهدى بنفسه فى قوة قوامها ستين ألف مقاتل وعسكر فى ديم أبى سعد
عين المهدى القائد محمد عثمان أبوقرجة كقائد لقوات الحصار وأطلق عليه لقب
(أمير البرين والبحرين).
وبذلك تم تضييق الخناق على غردون فى الخرطوم ، حتى جاء شهر يوليو/1884م فتمكن غردون من إدارة معارك مع قوات الحصار فى كل من برى والجريف غرب ونجح فى فك الحصار مؤقتاً.
بعد ذلك قام المهدى بتعيين قائد جديد لقوات الحصار وهو عبد الرحمن النجومى ، وأطلق عليه لقب ( أمير أمراء حصار الخرطوم) فتمكن من إحكام السيطرة من جديد على غردون الذى إستنجد ببريطانيا.
حملة إنقاذ غردون:
بعد تضييق الخناق عليه ، أرسل غردون الى بريطانيا يطلب حمله لإنقاذه ، ولكن جاءت ردة الفعل من حكومة جلادستون بأن غردون تم تكليفه فقط بمهمة إستشارية ، وعلى من كلفه بأن يصبح حكمداراً على السودان أن يرسل حملة لإنقاذه.
وبما أن غردون كان محبوباً لدى الشعب البريطانى ، فقد ضغط مجلس العموم على حكومة جلادستون حتى وافقت على إرسال حملة بقيادة اللورد (ولسلى) ، وعلى الفور تحركت الحملة حتى وصلت الى مصر ، ومكثت هناك قرابة الثلاثة أشهر بسبب الخلاف حول الطريق الذى يجب أن تسلكه الحملة هل هو الطريق النيلى أم الطريق البرى ، وأخيراً تم الإتفاق على الطريق النيلى .
ولمواجهة الحملة أرسل المهدى الى شيخه محمد الخير بالتصدى لها ودعمه بمزيد من القوات بقيادة (موسى ود الحلو).
وفى مطلع يناير/ 1885م إشتبك موسى ود الحلو مع حملة الإنقاذ فى معركة عرفت بمعركة أبوطليح تمت فيها هزيمة الأنصار
فأرسل المهدى حملة أخرى بقيادة (النور عنقرة) إشتبكت مع حملة الإنقاذ فى معركة المتمة التى وقعت فى منتصف يناير/1885م والتى حقق فيها الأنصار بعض الإنتصارات ولكن تمت هزيمتهم وواصلت الحملة فى طريقها الى الخرطوم. تحرير الخرطوم:
فى هذه اللحظات وبتاريخ 26/يناير/1885م إقتحم المهدى وأنصاره مدينة الخرطوم من كل الجهات وتمكنوا من قتل غردون الذى أراده المهدى حياً ، أما حملة الإنقاذ فقد وصلت بعد يومين من التحرير وعادت الى أدراجها قبل وصولها الخرطوم.

 أسباب فشل مهمة غردون فى السودان
تضافرت عدت عوامل تسببت فى فشل مهمة غردون وهي:
- تناقض مهمة غردون بين أوامر جلادستون الإستشارية وفرماني الخديوى توفيق التنفيذية
- كان غردون مسيحى متعصب والمهدى متحمس لدينه الإسلامى مما أدى لوجود مقاومة دينية بين الطرفين
- ثقة غردون المفرطة فى نفسه لنجاحه فى السودان عند تعيينه مديراً على خط الإستواء ثم تعيينه من قبل حكمداراً على السودان واعتقد بذلك إمكانية نجاحه فى المرة الثالثة
- فهم غردون الخاطئ لطبيعة الثورة المهدية وما صاحبها من تطورات.
- تأخر حملة إنقاذ غردون بسبب الإجراءات بين حكومة بريطانيا ومجلس عمومها وتأخرها أكثر فى مصر حول طريق الحملة.
- نجاح المهدى فى فرض الحصار المبكر على الخرطوم مما مكنه من تحريرها بسهولة.

 مرتكزات فكر المهدى
- محاولة المهدى إقامة دولة إسلامية شبيهة بدولة الرسول (ص) بالمدينة.
- جعل المهدى الدين والسياسة شيئاً واحداً وأنهما يشتملان على إمور الدنيا الروحية
والمادية معاً.
- أسس المهدى فلسفة دولته الإجتماعية على التقشف والزهد فكانت مقولته
(الدنيا جيفة وطلابها كلاب).
- حاول نشر دعوته خارج السودان.
- قام بالغاء المذاهب الفقهيه والطرق الصوفية فى السودان.
- تأثر فكره بالمذهب السلفى نسبة لإطلاعه على كتب إبن تيمية والغزالى وأحمد بن إدريس ومحي الدين بن عربى.
- كان يعدل فى أنظمته من وقت لآخر ومن مكان لآخر حسب المستجدات وتقلبات الأوضاع.

 تعاليم المهدى فى المجال الإجتماعى والإقتصادى
أولاً: فى المجال الإجتماعى:
بعد دخول معظم رجال السودان فى الثورة المهدية ودخولهم فى المعارك المختلفة وابتعادهم عن زوجاتهم لفترات طويلة ، تفشت ظاهرة الطلاق وقل عدد الرجال بصورة كبيرة مما عرض مجتمع الدولة لمشاكل إجتماعية كبيرة حاول المهدى علاجها بكتاباته عن الحجاب والزواج والمحافظة على الحرمات.
ثانياًً: فى المجال الإقتصادى:
كتب المهدى عن نظامه المالى بعد تأسيسه لبيت المال فى قدير كما كتب عن الغنائم وتوزيعها على المجاهدين بالإضافة لكتاباته عن العملة والزكاة وطرق جبايتها وآداب التجارة وما يتعلق بها من الشراء والبيع.

 إسلوب المهدى
إستخدم الاسلوب المباشر بعيداً عن التكلف وتميز بالقوة والحرارة وسبق كتاب عصره بحس أدبى واضح ، ويعود ذلك لانفعاله بأمر الدين.
كما أنه كان لايسترسل فى الإمور الإدارية ولكنه يستطرد فى المواعظ ويميل اسلوبه للعامى مع خلط حديثه ببعض الألفاظ المحلية.
أما اسلوبه فى الخطب فقد كان أجود وأرفع بياناً وتتخلله كثرة علامات التعجب والإستفهام والسجع والتعاطف مع المستمع بتوجيه الخطاب اليه مباشرةً.

 الصراع بين الخليفة عبد الله والأشراف
الأشراف هم ابناء عمومة المهدى من سكان النيل بقيادة محمد شريف حامد الخليفة الرابع وهو قائد الراية الحمراء التى ضمت عدد من الأشراف أمثال
( عبد الرحمن النجومى – محمد عثمان أبو قرجة – محمود عبد القادر – محمد عبد الكريم – محمد خالد زقل – كرم الله الكركساوى).
رفض هؤلاء الأشراف منذ حياة المهدى خلافة عبد الله التعايشى ، الا أن المهدى منع التعامل المباشر بينهم وبين الخليفة عبد الله ، كما زجرهم فى آخر جمعة صلاها معهم
ولذلك بايع الأشراف الخليفة عبد الله وهم غير راضين ومغلوب على أمرهم.
ولتأمين نفسه ضد الأشراف قام الخليفة باتخاذ عدد من الإجراءات منها:
- كون لنفسه حرساً خاصاً عرفوا بالملازمية.
- فرض الهجرة الجماعية لبعض القبائل من الغرب الى أمدرمان وعينهم فى مناصب كان يشغلها الأشراف.
- عين أخاه يعقوب نائباً أول له ، وإبنه عثمان شيخ الدين قائداً لفرقة الجهادية. تسببت هذه الإجراءات فى مزيد من الخلاف بين الخليفة والأشراف فقاموا بمؤامرة ضد الخليفة فى العام 1886م بغرض إبعاد الخليفة عن منصبه وكنها فشلت ، ثم تكررت المحاولة مرة أخرى عام 1891م ولكنها فشلت أيضاً.

 حرب الخليفة عبد الله مع الحبشة
قبل وفاة المهدى كان قد كتب خطاباً الى إمبراطور الحبشة يدعوه فيه للإيمان بالمهدية ، فوصل الرد بعد وفاة المهدى بإساءة للمهدى ودعوته لدخول المسيحية ، كانت هذه بداية لتوتر العلاقة بين المهدية والحبشة .
إزداد التوتر أكثر عندما ساند الأحباش الأتراك ضد المهدية فى حامية القلابات حيث استولى الأحباش على هذه الحامية وانسحبوا منها . وبعدها دخل الأنصار الى القلابات بقيادة
(محمد أرباب) ، وبذلك بدأت القارات المتقطعة بين الطرفين.
وفى عام 1887م دخل الأنصار الى داخل بلاد الحبشة وأحرقوا كنائسهم ، فما كان من حاكم أمهرا (الرأس عدار) إلا أن قاد حملة أحرق من خلالها القلابات وقتل عامل الخليفة فيها
(محمد أرباب) وأخذ الكثير من الغنائم والأسرى.
طلب الخليفة عبد الله من إمبراطور الحبشة (يوحنا) وقف الإعتداءات وإرجاع الغنائم والأسرى ولكن لم يستجب يوحنا لذلك ، فاستعد الطرفين للقتال.
عين الخليفة عبد الله (يونس ود الدكيم) عاملاً على القلابات وألحقه بجيش كبير بقيادة
(حمدان أبوعنجه) ، فتمكن أبوعنجة فى يناير 1888م من هزيمة الأحباش والدخول الى (غندار) ثم رجع الى القلابات مواصلاً فى المناوشات.
وبعد غزو إيطاليا للحبشة طلب يوحنا من الخليفة عبد الله الصلح ولكنه رفض وبذلك استعد الفريقين للمعركة الفاصلة .
كان حمدان ابوعنجة قد توفى فجأة فعين الخليفة القائد(الزاكى طمل) بدلاً عنه ، فقام على الفور بتحصين القلابات واستعد بجيش بلغ قوامه 72 الف مقاتل فى مواجهة جيش الحبشة الذى بلغ 200 الف مقاتل ، وفى مارس 1889م دارت المعركة بين الطرفين فتمت هزيمة الأحباش وقتل قائدهم يوحنا. و بذلك توقف الأنصار عن التقدم لداخل الحبشة وانشغل الأحباش بالصراع على السلطة.

 حرب الخليفة عبد الله مع مصر
أراد الخليفة عبد الله نشر الدعوة المهدية خارج السودان فاتجه للسيطرة على مصر ، وشجعه على ذلك هزيمته للأحباش وقضائه على المشاكل الداخليه.
بدأ تفكير الخليفة فى غزو مصر منذ العام 1886م باختيار عبد الرحمن النجومى لقيادة حملة الغزو ولكن بسبب الأزمات الداخلية وضعف التمويل لم يتحرك ود النجومى من دنقلا الا فى العام 1889م .
أعد الخليفة عبد الله لغزو مصر جيشاً قوامه (4000) مقاتل ومعهم ثلاثمائة بندقية فقط وسبعة الف من النساء والأطفال هم أسر المقاتلين وذلك للإستقرار فى مصر بعد السيطرة عليها.
قبل تحرك الحملة حاول الخليفة عبد الله التمهيد لتحركها داخل مصر ، وذلك بارسال رسائل للعبابدة وأهالى صعيد مصر يدعوهم للإنضمام للحملة ضد الكفرة. تحرك ود النجومى بمؤن بسيطة واستعدادات غير كافية لمواجة مصر تدفعهم فقط الحماسة والثقة بالنصر ، وقد صور ود النجومى حال جيشه للخليفة فى خطاب جاء فيه:
( إن الأنصار الذين معنا قد مسهم الضر وإن الجوع الحال بهم قد أضناهم ....)
أما فى الجانب المصرى فقد استعد الجيش الإنجليزى – المصرى بقيادة (ود هاوس) فى وادى حلفا وأمر السكان على طريق الحملة بإخلاء قراهم لحرمان ود النجومى من أي إمدادات
كما حشد قوة من الفين جندى فى منطقة (أرقين) على الضفة الغربية مع نشر الوابورات بمدافعها على عرض النيل.
وفى 2/يوليو/1889م أراد الأنصار ورود النيل فتلقفتهم مدافع (ود هاوس) وفقدوا قرابة الألفين جندى مما إضطرهم للسير فى المناطق الصحراوية حتى وصلوا الى سهل توشكى. وهنا طلب سردار الجيش المصرى (قرانفيل) من ود النجومى التسليم ولكنه رفض وأصر على المعركة.
وبتاريخ 3/أغسطس/1889م دارت معركة توشكى بين الطرفين وترتب عليها هزيمة ود النجومى وقتله ومجموعة كبيرة من الأنصار وتم توزيع النساء والأطفال كرقيق فى مصر وبعدها اتخذ الإنجليز والمصريين قرارهم الحاسم بضرورة القضاء على الدولة المهدية.

 إدارة العمالات فى عهد الخليفة عبدالله
تم تقسيم البلاد فى عهد الخليفة عبد الله الى عمالات (أقاليم) وأطلق لفظ (عامل) على حاكم العمالة ولفظ (أمير) على قائد الجيش فيها.
وانقسمت العمالات فى عهد الخليفة عبد الله الى قسمين:
- العملات الحضرية : وهي التى تقع فى وسط البلاد وحكامها مدنيون وتتبع مباشرة لحكم الخليفة فى امدرمان واطلق على الموظف المسئول عنها (عامل).
- العمالات العسكرية: وهي التى تقع فى أطراف الدولة فى مواجهة الأعداء وشملت عمالة القلابات ودنقلا والغرب ، وكان حكامها عسكريون.
إهتم الخليفة بسير الإمور فى العمالات عن طريق الرسائل المنتظمة بينه وبين حكام العملات حيث كان تحت كل عامل عدد من الأمراء لمساعدته وكاتب سرى مسئول عن المراسلات حيث ترد الأوامر من العاصمة وعلى العامل القيام بتنفيذها.
أما فى أوقات الأزمات فقد كان الخليفة يرسل عدد من رجاله عرفوا بالأمناء لحل الأزمة ، ولم يهتم الخليفة كثيراً بزيارة العمالات بنفسه ولكنه تعود على عقد لقاءات مع عمالها فى الرجبية وفى عيد الأضحى وعيد الفطر.

 الجيش فى عهد الخليفة عبد الله
إهتم الخليفة كثيراً بالجيش حيث كانت للجيش ثلاثة مهام رئيسية وهي :
حماية السلطة القائمة. - إخضاع التمرد فى العمالات - مدافعة الأعداء من الخارج
وقد تكون جيش الخليفة عبد الله من الفرق الاتية:
- فرقة الملازمية القديمة : وهم حرس الخليفة الخاص.
- فرقة الملازمية الجديدة : وهم حملة الأسلحة النارية بقيادة عثمان شيخ الدين إبن الخليفة.
- فرقة الراية الزرقاء : وهم حملة السيوف والرماح بقيادة الأمير يعقوب أخ الخليفة . - جيش الراية الخضراء : ويضم قبائل كنانة ودغيم بقيادة على ود حلو.
- جيش الراية الحمراء : بقيادة محمد شريف حامد.
- جيش الكاره : وهم أسرى الجنود المصريين والأتراك.
كان الجيش منظم فعلى كل عشرين جندى (مقدم) وعلى رأس كل مائة (رأس المائه) وزيهم الرسمى هو( العمامة والجبة المرقعة والصندل) وبلغ عددهم ربع مليون ، وأسلحتهم قوامها المدافع وامتلكوا ورشة لصيانة الأسلحة وغنموا من الجيش التركى عدد ثمانية بواخر نيلية وبالجيش عدد من الخيالة والمدفعية ، ويسمح لغير الملازمين منهم بالعودة لمناطقهم للزراعة

 القضاء فى الدولة المهدية
كانت أعلى وظيفة قضائية هي وظيفة قاضى الإسلام ، وأول من تولاها منذ عهد المهدى هو (أحمد جبارة) وجاء بعده ( أحمد على) حتى العام 1894م ، وقد أصيب هذا المنصب بكثير من الزعزعة فقد كان أحمد على على خلاف مع الأمير يعقوب أخ الخليفة فأثبت الأمير يعقوب عليه تهمة الرشوة وقام بسجنه ، ثم جاء بعده حسين الزهراء الذى درس فى الأزهر الشريف ولم يعمل بمنشورات المهدى فانتهى به الأمر بسجنه حتى مات فى السجن.
أما فى أمدرمان فقد تم إنشاء عدد من المحاكم المتخصصة كالآتى:
- محكمة الإسلام : وتنظر فى القضايا التى يحولها لها الخليفة.
- محكمة الإستئناف: وتنظر فى جميع قضايا الدولة.
- محكمة السوق: وتنظر فى قضايا تنظيم السوق وضبط الأسعار والمكاييل والموازين.
- محكمة الملازمين: وتنظر فى قضايا الملازمين.
- محكمة بيت المال : وتنظر فى قضايا بيت المال.
- محكمة الكاره: وتنظر فى قضايا أسرى الحكم التركى المصرى.
وبالرغم من كل هذه المحاكم فقد كثر تعدى جنود الجهادية على الأنفس والممتلكات والزروع ، ولردعهم اتخذ الخليفة ثلاثة إجراءات وهي:
- حث المواطنين على تقديم الشكوى اليه مباشرة فى حالة تظلمهم من الجهادية.
- أصدر منشور يمنع بموجبه التعدى على المواطنين.
- عين فى العمالات قضاة عرفوا بقضاة رد المظالم.

 نظم بيت المال فى عهد الخليفة عبد الله
تم إنشاء عدد من بيوت الأموال كالآتى:
- بيت المال العام: تم ضبط حساباته فى دفاتر نظمت الدخل والمنصرف ، وقسم الى أجزاء حسب موارد دخل ومنصرف كل قسم ، وكان دخل بيت المال العام يأتى من اهل أمدرمان وفائض بيوت أموال العمالات ، ويصرف منه على أهل المهدى والخلفاء والجيش. وبه قسم خاص بصك العملة ولكن الناس لم يقبلوا عليها لأن نسبة النحاس فيها كبيرة.
- بيت مال الملازمين: دخله من أرض الجزيرة ويصرف منه على الخليفة والملازمين.
- بيت مال الترسانه (الورشة الحربية) : ودخله يأتى من مزارع الخرطوم ومبيعات سن الفيل ويصرف منه على صنع الزخائر والأسلحة. - بيت مال الخمس : دخله من إيرادات المراكب والمشارع ومبيعات ريش النعام والزكاة والعشور على البضائع القادمة من الخارج ، ويصرف منه على الخليفة وأقربائه.

الأحوال الإقتصادية فى عهد الخليفة عبد الله
شهدت فترة الخليفة عبد الله تدهوراً واضحاً فى الحالة الإقتصادية وذلك للآتى:
- الأوبئه وسنين القحط ومجاعة سنة 1306هـ - 1888م.
- نزوح الأهالى من مناطق الزراعة لأمدرمان ودخولهم فى الجندية.
- كثرة الحروب التى أدت الى إستنزاف الموارد.
- تعدى جنود الخيالة على ممتلكات ومزارع المواطنين.
- وقف الخليفة عبد الله للتجارة مع الدول المعادية خاصة مصر خوفاً من الجواسيس.
 

الثورة المهدية فى شرق السودان
إرتبطت الثورة المهدية فى شرق السودان بشخصيتين هما عثمان دقنة والشيخ الطاهر المجذوب . فعثمان دقنة أصله من الأكراد وكانت أسرته تعمل بالتجارة بين سواكن والحجاز وتصاهرت مع البجه وسمع بالمهدى فى الأبيض فلحق به وبايعه فعينه المهدى أميراً على شرق السودان _ أما الشيخ الطاهر المجذوب فأصله من أسرة المجاذيب بالدامر وكان له خلاوى وطلاب فى شرق السودان وآمن بالدعوة المهدية.
بدأ الإثنان الثورة فى شرق السودان بإسم المهدية إبتداءاً من العام 1883م وذلك بتحريض قبائل البجة والبشاريين والأمرأر ضد الحكم التركى المصرى ، فوجدوا مساندة كبيرة خاصة من البجة بسبب نقض الحكومة للإتفاقية التجارية معهم وقيامها بسجن قادة البجة ومعاملتهم معاملة سيئة.
بدأ عثمان دقنة هجومة بسنكات ولكنه فشل فى السيطرة عليها ، ثم كرر المحاولة مرة أخرى فى سبتمبر/ 1883م فدخل مع الأتراك والمصريين فى معركة (قباب) التى تمت هزيمته فيها ، ولكن بالرغم من ذلك تمكن من قطع خط التلغراف بين سواكن وكسلا .
أخيراً وفى فبراير/1884م تمكن عثمان دقنة من السيطرة على سنكات وطوكر وحاول السيطرة على سواكن ولكنه فشل فى ذلك بسبب حاميتها البريطانيه ، ومن خلاله سيطرته على سنكات وطوكر تمكن عثمان دقنة من قطع طريق (سواكن – بربر – الخرطوم) فتكررت محاولات بريطانيا لإستعادة السيطرة على هذا الطريق فأرسلت حملة أولى بقيادة (فلنتين بيكر) وفشلت فى مهمتها ، وأعقبتها حملة بقيادة (جراهام) فكان مصيرها الفشل.

ما زال الاختلاف سائدا حول الخليفة ودوره في الحركة المهدية وسقوط السودان في يد الاستعمار. حيث تكثر المراجع التاريخية التي تصفه بالظلم مثل رودلف سلاطين باشا وهو نمساوي قدم السودان خلال حكم غوردون باشا في كتابه "السيف والنار" وغيره. وهو مايرجع إلى انحياز هؤلاء الكتاب للمستعمر والقاعدة هى ان التاريخ يكتبه او بالاحرى يزيفه المنتصرون بالمكر والخداع وكل الاساليب اللا انسانية والخيانة ايضا من الداخل وينحو نحوهم علاقمة هذا الزمان من علمانيون بشقى العلمانية الليبرالى والشيوعى وان كانوا من بنى جلدتنا فماعهدناهم الا اشد عدواة لكل ماهواسلامى من الغرب الصليبى العلمانى نفسه .

ولعلنا نقف هنا دائما لنقول ان ما لا يستطيع تزيفه المزيفون المغرضون حقائق الاثر ففى الصورة التى ترفق فى اخر المقال دعونى اقول ان هنا قال الامام للمحتل :
"Over My Dead Body"
بعدما اقام دولة السودان الموحد المسلم المتسق مع هويته من 13 الى حوالى 15 عام
محيطا به ثلاث قوى استعمارية الاكبر فى وقتها "انجلترا+فرنسا+ايطاليا"
فناوئهم وقاومهم وحاربهم فى جهات السودان الاربعة
بل انه مضى الى مسلمى الحبشة فناصرهم ثم اعاد الجنود بلا ارهاصات توسعية
فلما تكالب عليه اعداء الخارج وخونة الداخل لم يفر او يسلم نفسه وانما ظل يقاتل على فروة الصلاة حتى نال الشهادة باذن الله
ولا اراع فى ما اذكر لكم هنا الا الحقيقة الباقية وهى بالارقام والجغرافيا والحدث والصور
ولو كان عبد الله التعايشيى "تورشين" ظالما او مبيرا كما وصفه تاريخ كتبه اعدائنا لماكان اتبعه الى كررى قرابة المئتان الف نسمة من المدنين العزل ناهيك عن من حملوا السلاح والذين حصدت ارواحهم رشاشات مكسيم واستبسلوا فى الزود عن  خليفتهم فى ملحمة تذكرنا بامجاد الامة القديمة فى اول بعثة النبى واطراف احد
اما ما افتراه الغرب عليه ونحى نحوه فى ذلك وسار على ضوئه المعتم من اقلام بنى جلدتنا من العلمانين وهم ما هم عليه من حقيقتهم المخنثة وعلقميتهم البائسة وكولونيتهم المدلسة فلا اعتبار له عندى فى حقيقة الامر
وسلام على الامامان محمد احمد "المهدى" وخليفته الامام عبد الله التعايشى "تورشين" فى العالمين

تعليقات