لغط التحول من النظام البرلمانى الى الرئاسى فى تركيا

فى البدء

نعود الى عامان مضو تحديدا فى العام 2014 عندما تم طرح موضوع النظام الرئاسي لأول مرة، على لسان رئيس الجمهورية التركي “رجب طيب أردوغان”، فلم تكن أحزاب المعارضة السياسية هي الوحيدة التي اعترضت على تغيير نظام الحكم في البلاد، خاصة على يد أردوغان، بل إن قسمًا مهمًا من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يكن متحمسًا لهذا الموضوع، ولكن مع الوقت انقلب التردد الموجود داخل الحزب إلى يقين ودعم كامل لهذه الفكرة ووقفوا صفًا واحدًا ضد جبهة المعارضة.

وهذا ما حدث، فقد تم إعلان برنامج الحملة الانتخابية للحزب الحاكم للانتخابات البرلمانية والمزمع عقدها في السابع من حزيران/يونيو، متضمنًا 100 بندا، ومنها بند تركيا الجديدة؛ والتي تمر عبر تغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي.

ما الذي يسعى إليه أردوغان من تحويل النظام السياسي التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، وما تأثير ذلك على الصراع المحتدم بين حزب العدالة والتنمية وهو الحزب الحاكم وبين أحزاب المعارضة الموجوده على الساحة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري؟



أولا: ما هو النظام البرلماني؟

النظام البرلماني هو نوع من أنظمة الحكم ينقسم فيه الحكم (السلطة) بين هيئتين إحداهما الحكومة أو مجلس الوزراء (الوزارة) وثانيهما (البرلمان) الذي يتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب مباشرة ومنه تنبثق الحكومة. ويجوز فيه البرلمان سحب الثقة من الحكومة، يجوز للحكومة حل البرلمان، فهو إذا نظام يعتمد التعاون والتوازن بين السلطات وعلى مسؤولية الحكومة أمام البرلمان وفق آليات محددة لا تستغل لأغراض المصالح الخاصة والتسييس، وهناك من يعرف النظام البرلماني بشكل موجز ويرى بأنه ذلك النظام الذي يتضح فيه بوضوح التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية. ويقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس كما يتطلب مجموعة متطلبات وله مجموعة من المزايا.
تمارس السلطة التنفيذية (الهيئة التنفيذية) مسؤولياتها المنصوص عليها باسم رئيس الدولة ولكن المسؤولية الفعلية يتحملها مجلس الوزراء بزعامة رئيس الأغلبية البرلمانية، ولهذا فإن النظام البرلماني تحكمه قواعد محددة أهمها عدم مسؤولية رئيس الجمهورية، ذلك لأن الاختصاصات التي ينص عليها الدستور باسم رئيس الدولة تمارس من قبل الحكومة، أي مجلس الوزراء الذي يحصل على ثقة البرلمان.

إن التقليد يجري على أن يختار رئيس الدولة رئيس الوزراء من بين رؤوساء الكتل البرلمانية الحائزين على ثقة البرلمان، ثم يختار رئيس الوزراء زملاءه الوزراء. على أن تقوم الوزارة بعد ذلك بالرجوع إلى البرلمان للحصول على ثقته. ولهذا فالحكومة تكون حرة التصرف ولكن في نطاق القواعد القانونية المقررة، بحيث إذا تجاوزت حدود القواعد القانونية فإن تصرفها غير مشروع.
وبذلك يتضح أن النظام البرلماني يمكن أن يتلاءم مع الأنظمة السياسية في الدول النامية أكثر من النظام الرئاسي، ذلك لأنه يمكن التخوف من رئيس الدولة المنتخب في النظام الرئاسي في الدول النامية لأنه يستبد برأيه دون الرجوع إلى الشعب وبالتالي ينفرد بالسلطة ويصبح حكمًا استبداديًا، ويستدل من بعض الآراء لهذه المهام في النظام البرلماني، الوزارة هي السلطة الفعلية في النظام البرلماني والمسؤولة عن شؤون الحكم أما رئيس الدولة فإنه غير مسؤول سياسيا بوجه عام فلا يحق له مباشرة السلطة الفعلية في الحكم طبقا لقاعدة (حيث تكون المسؤولية تكون السلطة)، وذلك من خلال الجانب العلمي فإن الوزارة في النظام البرلماني هي المحور الرئيس الفعال في ميدان السلطة التنفيذية حيث تتولى العبء الأكبر والأساسي في تحمل هذه المسؤولية الدستورية، دون إسناد رئيس الدولة ممارسته بعض الصلاحيات التي قررتها أو تقررها بعض الدساتير البرلمانية في الميدان التشريعي التنفيذي، ولكن شريطة أن يتم ذلك بواسطة وزارته، الأمر الذي يوجب موافقة الوزراء المعنيين إلى جانب رئيس الدولة على كافة القرارات المتصلة بشؤون الحكم، إلى جانب صلاحية حضور رئيس الدولة أثناء اجتماعات مجلس الوزراء ولكن بشرط عدم احتساب صوته ضمن الأصوات.

لذلك يختلف الوضع الدستوري في بعض الدول بين مجلس الوزاء والمجلس الوزاري حيث يسمى المجلس بمجلس الوزراء اذا ما انعقد برئاسة رئيس الدولة ويسمى بالمجلس الوزاري اذا ما انعقد برئاسة رئيس الوزراء ورئيس الدولة هو الذي يعين رئيس الوزراء ووزراءه ويقيلهم ولكن حقه مقيد بضرورة اختيارهم من حزب الأغلبية في البرلمان ولو لم يكن رئيس الدولة راضيا فالبرلمان هو الذي يمنح الثقة للحكومة. وتختلف الحكومات في النظام البرلماني بقوة أعضائها والأحزاب المشتركة في الائتلاف حيث تسود الثنائية الحزبية عند وجود التكتلات المتوازنة في البرلمان.



ثانيًا: ما هو النظام الرئاسي؟

النظام الرئاسي هو نظام حكم تكون فيه السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة التشريعية ولا تقع تحت محاسبتها ولا يمكن أن تقوم بحلها.

تعود أصول النظام الرئاسي إلى النظام الملكي في العصور الوسطى في فرنسا، بريطانيا واسكتلندا التي كانت فيها السلطات التنفيذية تصدر أوامرها من التاج الملكي وليس من اجتماعات مجلس الأعيان (البرلمان).

يتضح النظام الرئاسي في شدته وتطبيقه بأقصى حد ممكن في دستور الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والفصل الشديد بين السلطات فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاء فيها (تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية) وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأية صورة من الصور.

لذلك يصبح رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي كما هو كائن في النظام البرلماني أو في النظام نصف الرئاسي ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير إرادته مثل ذلك عندما دعا الرئيس الأمريكي (لنكولن) مساعديه (الوزراء) إلى اجتماع وكان عددهم سبعة أشخاص حيث اجتمعوا على رأي مخالف لرأيه فما كان منه إلا أن رد عليهم بقوله المشهور (سبعة «لا» واحد «نعم» ونعم هي التي تغلب) لذلك نرى أن رئيس الدولة الأمريكية هو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي. فعلى المستوى الوطني يناط بالرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس إلى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونجرس وتعيين كبار القضاة وتعيين المساعدين (الوزراء) وكبار الموظفين.

أما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسؤول بصورة أساسية عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الأجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل وهو الذي يستقبل السفراء الأجانب ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم ولذلك قيل بأن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو الدبلوماسي الأول.

لذلك أصبح من المهم جدًا في الأنظمة الجمهورية التقيد دستوريًا في النظام الرئاسي أن يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام سواء كان مباشرًا أو غير مباشر ومن هنا تأتي مكانة وقوة رئيس الدولة الذي يتساوى فيها مع البرلمان شرعيته الديمقراطية والشعبية. ولكن وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند إليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا أن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة بل وقدرته على كسب المؤيدين في الكونجرس فهو يعتمد بشكل كبير على أنصاره حزبيًا في البرلمان والسعي إلى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.



وهناك ما يعرف بالنظام شبه الرئاسي أو ما يعرف بالنظام الرئاسي البرلماني


هو نظام خليط بين النظام الرئاسي والبرلماني. يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكين في تسيير شؤون الدولة. وتوزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يختلف من بلد إلى آخر. ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب. ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله إذا أراد.

النظام السياسي في تركيا

تركيا هي الديمقراطية التمثيلية البرلمانية. منذ تأسيسها كجمهورية في عام 1923، وقد وضعت تركيا تقليدًا قويًا للعلمانية. دستور تركيا يحكم الإطار القانوني للبلد. وهو يحدد المبادئ الرئيسية للحكومة ويضع تركيا كدولة مركزية موحدة.



رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وله دور شرفي إلى حد كبير. وينتخب الرئيس لمدة خمس سنوات عن طريق الانتخاب المباشر. انتُخب عبد الله غول رئيسًا للبلاد في 28 آب 2007، الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات البرلمانية خلفًا للرئيس أحمد نجدت سيزر رئيس الدولة الحالي رجب طيب أردوغان الذي انتخب في عام 2014.

وتمارس السلطة التنفيذية من رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء الذين يشكلون الحكومة، بينما تناط السلطة التشريعية في البرلمان من غرفة واحدة، والجمعية الوطنية الكبرى لتركيا. السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وتقوم المحكمة الدستورية مع الحاكم بمطابقة القوانين والمراسيم مع الدستور. مجلس الدولة هو المحكمة الملاذ الأخير للحالات الإدارية، ومحكمة الاستئناف العليا لجميع الآخرين.

وينتخب رئيس الوزراء من قبل البرلمان من خلال تصويت على الثقة في الحكومة، وغالبًا ما يكون رئيس الحزب الذي يملك أكبر عدد من المقاعد في البرلمان. رئيس الوزراء الحالي هو أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية السابق خلفًا للرئيس السابق لبلدية إسطنبول رجب طيب أردوغان، حصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان في الانتخابات العامة عام 2002، التي نظمت في أعقاب الأزمة الاقتصادية لعام 2001، مع 34٪ من الاقتراع العام.

أردوغان يسعى لتغيير نظام الحكم من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي


في نهاية شهر يناير 2015 طرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوته إلى انتقال بلاده من النظام البرلماني إلى الرئاسي وإصدار دستور جديد يضمن تحقيق ذلك.

وقال أردوغان في لقاء مع التليفزيون التركي وقتها إن سعي بلاده للانتقال إلى النظام الرئاسي يأتي في إطار تسريع نمو وتطوير الدولة التركية مضيفا أن “النظام الرئاسي سوف يعجل سير العمل ويسرع عملية التنسيق والاتصال بين مؤسسات الدولة”.



وجاءت تصريحات أردوغان متوافقة مع ما أعلنه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عن البند الخاص بتحويل البلاد إلى النظام الرئاسي في البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي سيخوض به الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران المقبل، الذي كان الشارع التركي ينتظر بشغف الاطلاع عليه بعد أن أعلن عنه أردوغان الذي يعمل بكل جهده على تحقيق هذا النظام خلال مؤتمر انتخابي عقده أمس الثلاثاء في العاصمة أنقرة للتعريف بمرشحي الحزب في الانتخابات المقبلة.

وقال داودأوغلو: “إننا نرى أن هناك حاجة مُلِحَّة لتطبيق النظام الرئاسي في البلاد؛ من أجل إعادة هيكلة النظام الإداري، والقضاء على فوضى السلطات والصلاحيات، وتفعيل أنظمة المساءلة بالمعنى الحقيقي لها”.

وفي شرحه لتفاصيل النظام الرئاسي المزمع تطبيقه حال نجاح حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية كافية في الانتخابات العامة المقبلة، قال داود أوغلو: “إننا نهدف إلى تأسيس نظام رئاسي يحترم الحريات، ويضمن استقلالية السلطتين التشريعية والتنفيذية في ضوء القوانين الدستورية، ويطبق الآلية المنشودة لإدارة البلاد بطريقة متوازنة، بالإضافة إلى التمثيل السياسي المناسب لكل الفرق والطوائف المختلفة في المجتمع”.



وخلال الاجتماع الثاني للمخاتير في القصر الرئاسي التركي، تساءل أردوغان: ألا توجد ديمقراطية في النظام الرئاسي؟ مجيبًا: نعم. مشيرا لضرورة اعتماد نظام رئاسي خاص بتركيا، لا يكون استنساخا حرفيا للنماذج الأخرى من العالم، بل عبر الاستفادة من جوانب معينة منها، مع الأخذ بعين الاعتبار الأعراف والتقاليد التركية.

واعتبر أن “النظام الرئاسي أصبح مسألة موضوعية في تركيا” مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في يونيو المقبل موضحا أن أولوية جدول الأعمال السياسي بعد الانتخابات ستكون لإصدار دستور جديد للبلاد.

وذكر الرئيس التركي أن 10 دول من دول مجموعة العشرين تتبع النظام الرئاسي منتقدا تصريحات المعارضة الداخلية بشأن رغبته في التفرد بالسلطة بعد ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الأخير.

ويسعى أردوغان منذ أن كان رئيس وزراء تركيا إلى إصدار دستور جديد يمهد تحول النظام السياسي في البلاد من برلماني إلى رئاسي يمنح الرئيس صلاحيات أكثر الأمر الذي يتطلب موافقة البرلمان بأغلبية الثلثين لإدخال تعديلات على الدستور التركي.

لماذا يسعى أردوغان إلى تحويل نظام الحكم في تركيا إلى النظام الرئاسي؟
طبيعة أردوغان غير قابلة لأن يكون رئيسا هادئا يجلس في قصر الرئاسة ويستقبل ضيوفه ويسافر إلى الخارج ويصوِّر الأماكن التي يزورها، كمتقاعد يأخذ راحته بعد عناء السنين الطويلة التي قضاها في العمل. فمنصب رئيس الجمهورية في النظام البرلماني المطبَّق حاليا في تركيا يشبه إلى حدٍ كبيرٍ منصبا شرفيا محدود الصلاحيات، وبالتالي لا يتوافق مع شخصية أردوغان وتطلعاته.

ومن أهداف أردوغان أن يكون رئيس تركيا في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية وأن ينجز مشاريع عديدة إلى ذاك التاريخ، تجعل تركيا أكبر قوة إقليمية. وإن ترشح أردوغان لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2014 وتم اختياره كأول رئيس منتخب من قبل الشعب مباشرة لمدة خمس سنوات، لتتم إعادة انتخابه لفترة رئاسية أخرى، فسيكون حينئذ رئيس الجمهورية لمدة عشر سنوات، أي إلى عام 2024 ليدرك عام 2023 وهو جالس على كرسي الرئاسة. ولكي يحقق أردوغان أهدافه في رئاسة الجمهورية، فإنه بحاجة إلى صلاحيات واسعة أكثر من الصلاحيات الممنوحة حاليا لرئيس الجمهورية. ومن هنا تأتي الرغبة في الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

أردوغان يرى أن النظام الرئاسي يعزز الديمقراطية في تركيا ويخلِّص السلطة التنفيذية من الأعباء البيروقراطية والطرق الملتوية الطويلة في سير الإجراءات، مشيرا إلى نجاح النظام الرئاسي في الولايات المتحدة، ومضيفا أن الشعب التركي أيضا يريد أن يرى في بلاده حزبين قويين أحدهما حاكم، والآخر معارض على غرار الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين. ولكن الأحزاب المعارضة كلها ترفض الانتقال إلى النظام الرئاسي جملة وتفصيلا بحجة أنه قد يؤدي إلى السلطنة والدكتاتورية.

النقاش الذي أطلق شرارته نائب رئيس الوزراء، تتسع دائرته مع دخول مسؤولين وشخصيات سياسية وقضائية في الخط وإبداء آرائهم حول الموضوع، سلبيًا أو إيجابيًا، ومن هؤلاء رئيس المحكمة الإدارية العليا حسين كارا كوللوكتشو، الذي دعا إلى مناقشة الانتقال إلى النظام الرئاسي ووصفه بـ ”نظام ديمقراطي يؤدي إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي”. وكان رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول ذكر في وقت سابق أن لديه تحفظات على الانتقال إلى النظام الرئاسي، إلا أنه جدد مطالبته بمناقشة الموضوع أمام الرأي العام بكل أبعاده.

ورغم اتساع دائرة النقاش حول الانتقال إلى النظام الرئاسي، فإن الشارع التركي لا يدري حتى الآن ما الذي سيتغير بالضبط إن تم التخلي عن النظام البرلماني لتبني النظام الرئاسي، وذلك بسبب غياب كثير من التفاصيل في الفكرة المطروحة للنقاش. وعلى سبيل المثال، كيف ستكون الإدارة المحلية في النظام الرئاسي؟ وهل سيتم انتخاب المحافظين من قبل الشعب كما هو في النظام الأمريكي أم أن الحكومة ستعيِّنهم كما هو المطبق حاليا في تركيا؟ وغيرها من الأسئلة.. وحتى الآن، يدور النقاش بين المؤيدين للنظام الرئاسي والمعارضين له لأن أردوغان يريده.

لا شك في أن الانتقال إلى النظام الرئاسي من شأنه أن يعزز دور رئيس الجمهورية ولكنه في الوقت نفسه سيحرر البرلمان من سيطرة السلطة التنفيذية ويؤدي إلى فصل السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل أوضح، ويعزز دور البرلمان في الرقابة، وليس صحيحا أنه يؤدي إلى الدكتاتورية ما دام الشعب هو الذي يختار رئيس الجمهورية لفترة أو فترتين فقط.

الجميع يتفق على أن الانتقال إلى النموذج الأمريكي للنظام الرئاسي يستحيل في الظروف الراهنة، كما أن توجه الشارع التركي الذي سيقول الكلمة الأخيرة في الموضوع غير واضح حتى الآن، وهناك دراسة تشير إلى رفض 56 في المائة من الناخبين الأتراك الانتقال إلى النظام الرئاسي في مقابل تأييد 16 في المائة فقط، إلا أن هذه الأرقام لا يمكن الوثوق بها قبل أن تتم مناقشة الفكرة بكل أبعادها وتفاصيلها.

وقد يكون هدف أردوغان في طرح الفكرة للنقاش أمام الرأي العام أن تستنفد المعارضة طاقتها في رفض الانتقال إلى النظام الرئاسي لترضى في نهاية المطاف بنظام شبه رئاسي، على غرار النظام الفرنسي، يسهل الانتقال إليه مع بعض التعديلات في الدستور.

أحزاب المعارضة
بنتيجة الانتخابات سيتم تحديد الأطراف التي ستشارك في رسم خارطة الطريق الجديدة، فإن استطاع الحزب الحاكم أن يحصد المقاعد البرلمانية التي تخوّله للوصول إلى هدفه المنشود في النظام الرئاسي، ناهيك عن تغيير الدستور، فإنه سيمضي قدمًا وبسرعة كبيرة لتوطيد نظام حكمه في البلاد، ولكن هناك احتمال ليس ببعيد بعدم صحة الحسابات التي يجريها الحزب الحاكم أو أنها لن تتوافق مع أرض الواقع، فهنا سيضطر الحزب إلى الانتقال إلى الخطة “ب” وهي عرض الموضوع على الاستفتاء الشعبي.

وفي الحقيقة، إن المعارضة السياسية لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الحزب الحاكم والأهداف التي يسعى لتحقيقها، وأغلب الأنظار تتوجه نحو حزب الشعوب الديمقراطية في أمل أن يتخطى حاجز الـ10% للتمثيل البرلماني ليقف حجر عثرة أمام طموحات الحزب الحاكم، وبحسب مطلعين فإن حظوظ حزب الشعوب الديمقراطية في تخطي الحاجز تعد ضئيلة؛ حيث أنه بمشاركة 85% من الناخبين فعلى الحزب أن يحصد مليون صوت ليقف سدًا أمام الحزب الحاكم.
وهناك من يرى أن حظوظ حزب العدالة والتنمية كبيرة في فرض سيطرته على المقاعد البرلمانية، وعليه يتوجب على الأحزاب المعارضة السياسية أن تناقش مضمون النظام الرئاسي والدستور الجديد والتفاوض عليه؛ لكسب نقاط سياسية قبل الانتخابات، بدلًا من تركها لما بعد الانتخابات، والتي ستكون لحزب العدالة والتنمية السلطة التقديرية الكاملة فيها، ويرى بعض المحللون أن المعارضة ستكون مخطئة حين تظن أن الحزب الحاكم سوف يتراجع عن طموحاته، لأن العدالة والتنمية بعد فوزهم بالأغلبية لن ينصتوا لما تقوله المعارضة أو ما تضعه من شروط، وبالنتيجة ستنفرد بحكم البلاد وحدها.

ومع اقتراب الانتخابات، خرج حزب الشعوب الديمقراطية عن مساره الذي كان يسير عليه، وهو الطريق الديمقراطي لتحقيق عملية السلام، وانتقل للعمل مع جبهة المعارضة الرافضة لكل شيء يأتي من العدالة والتنمية، وربما حصل ذلك بعد زيارة “صلاح الدين داميرتاش” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ذلك انفجرت أحداث 6-7 أكتوبر، وتسبب نداء “داميرتاش” بمقتل 50 مدنيًا، كما توقفت عجلة عملية السلام.

وقف حزب الشعوب الديمقراطي إلى جانب الديمقراطية خلال أحداث “غزي بارك” ومحاولة الانقلاب، لكنهم أزاحوه عن طريقه من خلال ما فعلته “داعش” في “كوباني”، ليصبح الحزب في مواجهة وعداوة مع تركيا.



حالة الاحتدام في الصراع بين حزب الشعوب الديمقراطي والحزب الحاكم باتت تنبئ بتغيرات جسيمة قد تشهدها تركيا في المرحلة المقبلة، لاسيما أن أحزاب المعارضة يبدو أنها اتفقت في أنها ضد أردوغان في تحويل تركيا إلى نظام رئاسي، وباتوا وكأن مهمتهم القادمة وعنوان برنامجهم الانتخابي هو: “لن نجعل أردوغان رئيسًا”.

ولنصل الى الخلاصة فى الامر دعونا نقول هنا بحيادية هنا 
 ان النظام البرلماني الذي جاء كنتيجة لتطورات تاريخية والذي يختلف أصلا عن النظام البرلماني في الغرب، سيتسبّب في عوائق سياسية كثيرة. حيث يستند النظام البرلماني الذي ظهر لأول مرة في القرن الثامن عشر في مملكة بريطانيا العظمى ومن ثم في السويد في جوهره، على النظام الملكي. في الحقيقة، فإن ثنائية الرأس في الأنظمة البرلمانية قد بدأت من هنا. ففي هذا النظام، يقوم فيه رئيس الدولة بلعب دور الملك أو رئيس الجمهورية فيما بعد، بينما يقوم رئيس الوزراء بدور رئيس الحكومة. ولأن النظام البرلماني جاء من أجل إضعاف سلطة الملك وجاء كنتيجة لمراحل تطور النظام الملكي، فإن رئيس الوزراء أصبح يتمتع بصلاحيات تنفيذية أوسع من رئيس الدولة.
أي أنه إن قلنا بأن النظام البرلماني هو “نظام رئاسة الوزراء” فلن نكون مخطئين. بينما في النظام الرئاسي ولأن الشعب يقوم بشكل مباشر باختيار رئيس الدولة أو رئيس الجمهورية مثلما فعل الاتراك في سنة 2014، فإن الرئيس يتمتع بصلاحيات أكثر. ولعدم وجود ملك يُريد إضعاف صلاحياته أو رئيس جمهورية يحل محل الملك، تم اختياره من قبل البرلمان. ولأن رئيس الدولة يتم اختياره بشكل مباشر عن طريق تصويت الشعب، فإن السلطة التنفيذية تُعطى في المقام الأول إلى رئيس الدولة. وأبرز مثال على النظام الرئاسي هو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تكون السلطة التنفيذية بنسبة كبيرة في يد الرئيس بينما تكون السلطة التشريعية مشاركة بين الرئاسة وادراتها و المجلس أي البرلمان.
واخيرا اقول لكم إن كلّا من النظام البرلماني والنظام الرئاسي لديهما أمثلة جيدة وأمثلة سيئة في العالم الحديث والتاريخ القريب، و دراسة هذه الأمثلة وبالنظر لبداية مرحلة جديدة ترتكز على النتائج عن طريق رؤية النماذج، سيكون أفضل بكثير من تبنى خطابات المعارضة فى مقاومة الديكتاتورية تلك الخطب الجوفاء أو الشعارات الفارغة أمثال “لن نجعلك تصبح رئيسا” وسيكون أهم خطوة في طريق إيجاد النظام الصحيح وكتابة الدستور الذي تستحقه تركيا.
وبذلك سيتكون في عقول الشعب التركى نموذج متشكّل من الحقائق العميقة والبراهين القاطعة والمقارانات المتدبرة عوضا عن المعلومات المغلوطة. وكما ذكرت سابقا، لقد قام الاتراك بالفعل بالخطوة الأولى عن طريق الموافقة على التعديلات الدستورية التي تسمح باختيار رئيس الجمهورية من قبل الشعب وبالخطوة الثانية عن طريق اختيار الشعب لرئيس الجمهورية
و الآن لا توجد هناك أي وسيلة اخرى انسب، سوى حل هذا الموضوع بذات الطريقة.
محبتى

تعليقات