بؤرة - 3‬


‫‏لوزون‬ "بحر الصين الجنوبى"
الصين وفيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، يتنازعون السيادة على مناطق منه منذ عدة قرون، ولكن التوترات في المنطقة تصاعدت في الآونة الاخيرة.
وعززت الصين تحديدا ادعاءاتها بالسيادة على أجزاء واسعة من هذا البحر عن طريق تشييد الجزر الاصطناعية فيه وتسيير الدوريات البحرية في مياهه.
يقول الأمريكيون إنهم لا ينحازون لطرف ضد آخر في النزاعات الاقليمية، لكنهم ارسلوا مع ذلك سفنهم الحربية وطائراتهم العسكرية الى المناطق القريبة من جزر متنازع عليها، في عمليات يطلقون عليها اسم "عمليات حرية الملاحة" ويقولون إنها تهدف الى ابقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع.
ويتبادل الصينيون والامريكيون الاتهامات بأن الجانب الآخر يعمد الى "عسكرة" بحر الصين الجنوبي.
وثمة مخاوف من أن المنطقة تستحيل تدريجيا الى نقطة احتكاك، وان عواقب اي صدام فيها قد تكون وخيمة على النطاق العالمي.
واستراتيجيا يعد لوزون من أكثر بحار الدنيا حركة بالبضائع والسفن، حيث يشهد تنافسًا محمومًا بين أميركا والصين، وهو إحدى بؤر التوتر الساخنة في جنوب شرق آسيا، يتناثر في أرجائه أكثر من مائتي جزيرة.
إضافة إلى أنه ثاني أكثر الممرات البحرية اكتظاظا بعمليات الابحار – على مستوى العالم – ازدحامًا بالحركة، وتمرُّ به شحنات تجارية قيمتها خمسة تريليونات دولار، أي نصف حركة الشحن في العالم، ويتناثر فيه أكثر من 250 جزيرة، أهمها “نانشاتشيونداو، وشيشاتشيونداو، وتشونغشاتشيونداو”.
في عام 2002، تبنت الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ميثاق شرف لأطراف بحر جنوب الصين، إلا أن دولا عدة – منها الفلبين وفيتنام – اتخذت إجراءات أحادية الجانب.
2011 وصلت مجموعة من المشرعين الفلبينيين جوا إلى جزيرة “تشونغ يه داو” الواقعة في البحر، ورفعت العلم الفلبيني على أرض الجزيرة، في ادعاء بسيادة بلدهم على المنطقة.
اعتبرت الصين حينها هذه الإجراءات انتهاكا لسيادتها وسلامة أراضيها بشكل خطير، مؤكدة أن بحر جنوب الصين والمياه المحيطة به “جزء لا يتجزأ من أراضي الصين كما يثبت التاريخ”.
ترى الصين أحقيتها بالسيطرة على 80% من بحر الصين الجنوبي وهذا ما ترفضه معظم الدول المطلة عليه، ويتناقض كذلك مع قانون الحدود البحرية الذي أقرته الأمم المتحدة.
وقد ازدادت حدة التوتر في المنطقة بعد اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز، كما جاء ازدياد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة مؤخرًا ليزيد من حدة تلك التوترات.
وكان أبرز ما اختلف عليه الصين واليابان هو اسم تلك الجزر حيث تطلق عليها الصين اسم “دياو يو داو” أي “جزر صيد السمك” بينما تسميها اليابان “جزر سنكا كو”، حيث يقول الصينيون إنهم هم أول من اكتشفوها وأطلقوا عليها اسمها، واستخدموها لصيد السمك، وأنها ظلت منذ ذلك الحين ضمن نطاق الدفاع البحري.
وبدأ النزاع على تلك الجزر يأخذ منحى حادًا وجادًا مع إصدار الأمم المتحدة عام 1972 دراسة نظرية ترجّح وجود كميات كبيرة من النفط والغاز والمعادن في تلك المنطقة من بحر الصين الشرقي.
وكان التوتر قد ظل جمرًا تحت الرماد وقيد الاحتواء من خلال المباحثات والمفاوضات التي كانت بكين تجريها مع تلك الدول بشكل ثنائي، إلى أن اضطرت للموافقة على أن تتحول تلك الخلافات إلى نزاع إقليمي عندما قررت دول آسيان التفاوض ككتلة واحدة مع الصين.
وقتها تم التوقيع على تفاهم عام 2002 المذكورة سلفا والذى يحظر على أي طرف القيام بأية إجراءات أحادية استفزازية خاصة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز، والشروع في التفاوض على إيجاد صيغة للاستثمار المشترك للمنطقة المتنازع عليها.
لكن التطور الأهم حدث خلال القمة السادسة عشرة لمنظمة دول جنوب شرق آسيا في العاصمة الفيتنامية هانوي في أبريل 2010 عندما ألقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون كلمة اعتبرت فيها أن “استمرار التوتر في بحر الصين الجنوبي يقوّض المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وطالبت بضرورة إيجاد آلية دولية لحل النزاع”.
ووافقت على ذلك 12 دولة لا علاقة لكثير منها بالنزاع الجاري لكنها رأت أن القوة المتصاعدة للصين تجعل من التفاهم الموقَّع قبل ثماني سنوات ليس ذا معنى. وهنا ثارت ثائرة بكين التي شعرت أنها وقعت في فخ حيك لها بليل.
وكانت هذه الزيارة والتصريحات هي بداية أول تدخل أميركي علني بقضايا المنطقة والعودة إلى “سياسة فرّق تسُد”، كما نظرت إليها الصين، في المقابل رأتها اليابان بأنها نقطة تحول تاريخية في الإستراتيجية الأميركية.
والجدير ذكره أن الجزر المتنازع عليها هي مجموعة تضم ثمانيَ جزر صخرية غير مأهولة أكبرها مساحة تصل إلى 4 كيلو مترات مربعة وتبعد 76 ميلًا بحريًا عن شواطئ تايوان وحوالي 92 ميلًا بحريًا عن شواطئ اليابان فيما تبتعد عن شواطئ البر الرئيسي للصين قرابة 100 ميل بحري.
على الرغم من إعلان واشنطن وقوفها على الحياد إلا أن أقوالها تختلف عن أفعالها حيث قرر بانيتا نشر منظومة صواريخ جديدة متوسطة المدى في اليابان في حين طمأنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون نظيرها الياباني بأن “البند الخامس من الاتفاقية الأمنية الموقعة بين واشنطن وطوكيو عام 1951 يغطي منطقة الجزر المتنازع عليها”، ما يعني التزام واشنطن بالدفاع عن اليابان إذا تعرضت تلك المناطق لأي اعتداء خارجي.
انتهزت حينها الصين فرصة أجواء التوتر هذه للإعلان عن دخول أول حاملة طائرات صينية حيز الاستخدام الفعلي في احتفال مهيب، جعلها تدخل إلى مصاف القوى الدولية الكبرى كآخر عضو في مجلس الأمن الدولي يمتلك حاملة طائرات، كما أن إطلاق اسم “لياو نينغ” على حاملة الطائرات لا يخلو من رمزية أخرى فهي إحدى المقاطعات شمال شرق الصين التي كانت أول المناطق التي خضعت للاحتلال الياباني ودفعت الثمن الأكبر من ويلاته.
والأهم من هذا وذاك يُعتبر قرار بكين الشروع في الحصول على حاملات الطائرات نقطة تحول مهمة في العقيدة الإستراتيجية الصينية التي كانت تاريخيًا قائمة على أساس حماية الحدود وتحولت الآن إلى حماية المصالح وراء البحار.
وهنا وضح لنا ان الصين قد تجسد إدراكها لحقيقة أن معظم القوى الدولية التي امتلكت القوة والنفوذ عبر الزمن لم تصل إلى ذلك إلا بعد امتلاكها لقوة بحرية ضاربة ولأساطيل ضخمة.
ثمة من يرى أن تحدي الصين للولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي يضع الدولتين في مواجهة كلاسيكية محصلتها صفر، حيث أعلنت بكين أن مطالباتها في بحر الصين الجنوبي هي “مصلحة أساسية” لا يمكن التفاوض حولها.
ومن جهتها، لا تستطيع واشنطن المساومة على دفاعها عن المشاعات العالمية. وفي حين يستطيع كلا الجانبين تنفيذ بعض التراجعات التكتيكية، إلا أنهما لن يتمكنا من التخلي عن مواقفهما هذه لفترة طويلة.
يجوز ان الحل للازمة افضل من تحولها لمعركة حقيقية ولعل الاقتراح بانه على الصين التفاوض مع منظمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، المنظمة الاقليمية التي تضم كلا من تايلاند واندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وبروناي ولاوس وفيتنام وميانمار (بورما) وكمبوديا ببوصول الى حل هو افضل ما ينحى شبح الحرب المحتملة القائم والتى غالبا ما ستكون كهجوم الاسود على فيل عملاق ولكن بانياب امريكية .
وللسلام العالمى قصة اخيرة



Wed Mohamed Yosif's photo.

تعليقات